TOP

جريدة المدى > عام > أغلفة الكتب

أغلفة الكتب

نشر في: 4 إبريل, 2015: 12:01 ص

كانت أغلفة روايات نجيب محفوظ برسوماتها الملوّنة، ذات الطابع الواقعي الشعبي، التي تحمل توقيع الفنان جمال قطب، عنصر إغراء كبير لي في أول تعرّفي على عالم محفوظ في مستهل السبعينيات. وكانت الوجوه الآدمية المرسومة ( نساءً ورجالاً ) على تلك الأغلفة، فضلاً ع

كانت أغلفة روايات نجيب محفوظ برسوماتها الملوّنة، ذات الطابع الواقعي الشعبي، التي تحمل توقيع الفنان جمال قطب، عنصر إغراء كبير لي في أول تعرّفي على عالم محفوظ في مستهل السبعينيات. وكانت الوجوه الآدمية المرسومة ( نساءً ورجالاً ) على تلك الأغلفة، فضلاً عن ملامح الأماكن ( حارات ومقاهٍ وجوامع )

تدخل في عملية تخيّلي لوجوه الشخصيات وأجسادهم وبيئتهم في أثناء القراءة.. كنت أعيد بناء العالم السردي للرواية، أو جزءاً مهماً منه، بوحي تلك الرسومات التي صارت اليوم في ذاكرتي مفتاح مرحلة بهيجة من حياتي.
تهتم دور النشر المحترفة بتصاميم أغلفة الكتب لأسباب تتعلق بتسويق الكتاب والترويج له، وبمناورات المنافسة في سوق الكتب.. وقد غدا التصميم، في وقتنا الحاضر، فناً قائماً بحد ذاته. والمصمم في هذا الحقل لابد من أن يمتلك اللمسة الفنية الواضحة التي تجعل من عملية تصميمه لغلاف أي كتاب مسؤولية إبداعية وتجارية في آن معاً. وهذا يتطلب منه أولاً قراءة الكتاب ( أو خلاصة وافية عنه ) الذي ينوي تصميم غلافه، ليكون بمقدوره ( أي المصمم ) عكس فحوى وروحية الكتاب في المشهد الكلي للغلاف. إذن عليه أن يكون فناناً مثقفاً، عارفاً بسيكولوجية المتلقين وتفضيلاتهم، وبفن تصميم الكتب.. إن صورة غلاف كتاب خاص بشؤون الفكر والفلسفة لا شك ستكون مختلفة عن صورة غلاف رواية أو مجموعة شعرية. فصورة النوع الأول تميل إلى التجريد أكثر ويتم إخراجها بألوان قليلة، فيما صورة النوع الثاني تميل إلى التجسيد بألوان وافرة.
يلفت غلاف كتاب ما انتباهك من بين عشرات ومئات الأغلفة المعروضة معه، في واجهة المكتبة، أو على رفوفها الداخلية، فتلتقطه.. تتأمله وتقلبه لتقرأ ماذا كُتب على وجهه الآخر.. هنا تكون قد قطعت شوطاً باتجاه شراء ذلك الكتاب. فغلاف الكتاب ينطوي على مجموعة من الإشارات الموحية، المقدّمة في شكل كلمات وصور ورسوم وتخطيطات معينة، تمثل في مجملها الفضاء السيميائي الخاص لذلك الغلاف، حيث يُخاطَب القارئ في سعي جدّي لاستمالته إلى شراء الكتاب.
ربما يكون اسم المؤلف أول عناصر الجذب، في الجسد المادي للكتاب، لاسيما إذا كان ذلك الاسم مألوفاً لدى جمهرة القراء، فالمؤلف الذي له كتب منشورة سابقاً غير المؤلف الذي ينشر للمرة الأولى. وأحياناً حين يكون المؤلف شخصية اجتماعية أو سياسية أو إعلامية مشهورة فإن اسمه يكفي لإثارة انتباه القراء، حتى وإن كان الكتاب المعروض هو عمله الأول. لكن عنوان العمل المكتوب له سطوة أكبر. وبعض المؤلفين يختارون عنوانات ذكية ومثيرة لإغراء القرّاء.. ومثالاً لنتأمل عنوانات روايات أحلام مستغانمي؛ (ذاكرة الجسد، عابر سرير، فوضى الحواس، الكتابة في لحظة عري) فقوة العبارة أو إيحائها الجنسي، ها هنا، أدت دورها في الترويج لكتبها، على الرغم من أن رواياتها أكثر حشمة بكثير من روايات كتّاب آخرين يموِّهون على موضوعات رواياتهم بعنوانات حيادية ومبهمة. والأمثلة بهذا الشأن لا تعد ولا تحصى. أما الصورة، أو اللوحة، والألوان المختارة، وموقع كل عنصر من العناصر التشكيلية على سطح الغلاف فتمثل نقطة جاذبية كبيرة لأولئك الذين لا يعرفون المؤلف ولم يسمعوا قبلاً بالعنوان. وأذكر أن تخطيطاً لصورة امرأة طويلة الشعر وغير واضحة الملامح، وبلونين فقط، البني والأسود، على غلاف مجموعة غادة السمان القصصية (رحيل المرافئ القديمة) حفّز لديّ، في العام 1974، رد فعل من نمط يختلف عن ذاك الذي حفّزته أغلفة كتب نجيب محفوظ... أثارني غموض الصورة والعنوان واسم الكاتبة دفعة واحدة، وجعلني اشتري الكتاب في الحال. ولم أكن أمتلك في جيبي، ساعتها، أكثر من ثمنه. وفوجئت بمشاعري تتهيج وأنا أمسك بيدي، أو قل أداعب بأصابعي، برفق وبشيء من الارتعاش اللذيذ، الغلاف الأملس الناعم والدافئ لذلك الكتاب، قبل شروعي بالقراءة، كأنني موعود بسعادات لا تُضاهى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

كتائب القسام تعلن "استشهاد" قائدها محمد الضيف

ترامب: لم ينج أحد من حادث اصطدام المروحية وطائرة الركاب قرب مطار ريغان

"الاتفاق غائب".. تعديل الموازنة يدفع الى انقسام نيابي

برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد بيدري حتى 2030

مكتب السيستاني: يوم غد الجمعة هو الأول من شهر شعبان

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram