يقول المتخصصون كلما يتقدم الإنسان في السن تضعف ذاكرته القريبة وتنشط القديمة، من هنا تجد الذين من جيلي لا يتذكرون أيام حياتهم الجامعية بتفاصيل أيام الابتدائية نفسها . ينشط لا شعور أيام الصبا بما فيه من حلو ومر حتى القراءات او "المطالعة الخارجية" كما كنا نسميها لنميزها عن كتب القراءة المدرسية، تنضج ثمارها عند الكبر.
اليوم هناك مصيبة، كارثة، طركاعة، اسمها داعش. من هي داعش؟ مَن وراءها؟ جرب اسأل او جرب جاوب وشوف البلاوي، اول ضربة ستتلقاها ان خالفت الآراء السائدة قولهم "لا تغشّم نفسك؟ أوكي لن أغشمها تتدللون وتعال اسمع:
أحدهم: داعش صناعة أميركية. آخر: كلا انها إسرائيلية. ثالث: انها إيرانية. الرابع: السكتة أحسن. والسكوت في مثل هذه الحالة أمر من الصبر. هكذا هي مصيبتي الكبرى. يا عمّي والله الذي خلقكم داعش نحن صنعناها بأيدينا، قلتها مرة وابتليت على عمري.
ولأن العمر أخذ من سنيني ما أخذ حضرت ذكريات الابتدائية لتصبرني. ها هو أستاذ حسن الدوّاح معلمنا الشيوعي الذي جاء من النعمانية، التي كانت تسمى سابقا "البغيلة"، ليدرسنا في الزبيدية التي كانت هي الأخرى تسمى سابقا "الحميدية". الأستاذ حسن يؤمن بان أفضل طريقة للتوعية المبكرة هي التدريس عن طريق التمثيل المسرحي. اختار لنا نصاً لجبران خليل جبران اسمه "الملك الحكيم" الذي أُتهم بالجنون من قبل رعيته لأنه لم يشرب من بئر جنونهم، لم يخلص الملك من التهمة إلا بعد ان تناول طاسة وغرف بها من ماء البئر وشرب امامهم. حمدوا الله فارتاحوا وارتاح هو أيضا.
تذكرت بئر جبران واستاذي وبكائي على حال الملك الذي كنت قد مثلت دور وزيره الأمين في المسرحية، وكيف أني بكيت على حاله يوم اتهموه بالجنون. ذهبت بي الذكريات في صفنة طويلة لم أُغادرها الا بعد ان جاءتني "ندسة" من الذي بجانبي وكان ساكتا: قلهم إي وارتاح.
ملأت كاسي بماء بئرهم وجريتها للآخر فحمدوا الله وصاحوا جميعا" بصحتك أبو أمجد. التفت نحو الجمع وقلت لهم: انكم على حق، فالقضية كما تقولون مرتبة ومخطط لها وانهم كلهم شياطين الا نحن. حمدوا الله وصاحوا جميعا" بصحتك أبو أمجد. وضعت رأسي على كتف الذي "ندسني" وقلت له: نعم ارتحت، لكن طعم الكأس صار مراً ومقرفاً فهل تدلني، يا صاحبي، على السبب؟ ردّ عليّ بهدوء: اشرب واسكت. ولما وجدت بأن القوم قد فرحوا، قلت لهم "زي الناس" فردوا عليّ "لا باس". ومن عندهم الى الباب ولأقرب تكسي لأنطرح بسريري. نومة عميقة جدا لم افق منها إلا قبل قليل لأكتب هذا الذي تقرأونه.
لا تغشِّم نفسك
[post-views]
نشر في: 3 إبريل, 2015: 09:01 م