المكتبة العراقية تحتفظ بعشرات الكتب لمؤلفين تناولوا الازياء الشعبية بوصفها تمثل هوية المكونات الاجتماعية ، اقتصرت على وصفها واماكن استخدامها من قبل النساء والرجال لأسباب تتعلق بعوامل مناخية وجغرافية ، المصور الفوتوغرافي كفاح الامين اعد دراسة تناولت الازياء منذ الاحتلال العثماني حتى الوقت الحاضر ، في محاولة لرصد حركة تطور المجتمع ، لأن الازياء من وجهة نظره، تعد عاملا خاضعا للمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومن خلالها تتم قراءة جانب من التأريخ.
مطلع عشرينات القرن الماضي تخلى افندية بغداد عن الطربوش تعبيرا عن رفضهم للاحتلال العثماني واستعدادهم لاستقبال عهد جديد ، فاستخدموا السيدارة الفيصلية نسبة لفيصل الاول ، وباندحار الطربوش ارتفعت الدعوات الموجهة للنساء للتخلي عن الحجاب ، قوبلت برفض المتحفظين دعاة الحفاظ على التقاليد والاعراف السائدة، لكن حركة تطور المجتمع على مدى عشرات السنين فرضت واقعا آخر فاستطاع "الميني جوب" ان يفرض حضوره مطلع عقد السبعينات على الرغم من الملاحقات والمضايقات ، ثم انحسر استخدامه من قبل الفتيات لضرورات مواكبة الموضة .
مظهر آخر لقياس ورصد التحولات بالمجتمع العراقي يتمثل باطلاق الاسماء ، سعاد وسناء وانتصار ازاحت فختاية ، وصريوة وشحدهن ، وشمل التغيير اسماء الذكور فما عاد العراقي مستعدا لتنفيذ وصية ابيه بإطلاق الاسم المكروه على احد ابنائه مهما كانت الدوافع والاسباب . وفي سنوات الاستقرار السياسي نسبيا ، مع وجود فسحة من الانفتاح على الخارج ، شاعت اسماء روزا ولينا وصوفيا انطلاقا من رغبة الآباء في الاعتزاز بمدن وشخصيات ورموز ترسخت بالاذهان ثم تحولت الى وبال عليهم لما تحمل من اشارات وتلميح مباشر للانتماء الى تنظيم سياسي يعد بنظر السلطة من الاحزاب العميلة المرتبطة بجهات خارجية .
أحداث العراق على مدى اكثر من نصف قرن تركت تأثيراتها في الجيل السابق ، ولعل بعضهم مازال يسترجع صدور قرارات تطالب بارتداء الزي العسكري من قبل النساء والاطفال في سنوات اندلاع الحرب العراقية الايرانية ، واطلاق الرصاص بالمدارس في ايام الخميس من كل اسبوع اثناء رفع العلم ، وفي اعوام الحملة الايمانية ، شاع استخدام الحجاب بين النساء فانتصر احفاد معارضي الشاعر الراحل الزهاوي ، وحذفت قصيدته الشهيرة من المناهج الدراسية.
بعد قرن على انقراض الطربوش هناك من يحاول استعادته بشكل جديد ، للحد من نفوذ العمامة والجراوية والعقال ، والقضية اهدافها واضحة ، في ظل ما يقال عن التدخل الاقليمي في الشأن العراقي ، ومادامت الازياء تعكس جانبا من الواقع السياسي ، فليس من المستبعد في الاوضاع الحالية ، تحليل المواقف بإجراء قراءة تفكيكية للدشداشة بما تحمل من دلالات بوصفها تشكل مع العقال الزي السائد في دول الخليج المشغولة حاليا بحربها ضد الحوثيين ، وليس من المستبعد ايضا ان يطل احد المحللين السياسيين عبر شاشة فضائية حزبية ليؤكد ان المنطقة العربية اصبحت اليوم على فوهة بركان لأسباب تتعلق بالصراع التاريخي بين العمائم والطرابيش.
طرابيش
نشر في: 3 إبريل, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
ائتلاف السوداني ينسف روايات حسم اسم رئيس الحكومة: ما زلنا في «انسداد» و«مراوحة»
الأسواق العراقية تحت سيطرة الواردات الاستيراد الكبير يخنق الصناعة المحلية ويهدد الأمن الغذائي!
تناقص أعداد الصابئة المندائيين في العراق.. مخاوف الاندثار وصراع الحفاظ على الهوية
مساعي حصر السلاح في العراق.. جدل القبول والرفض
مسؤولون في نينوى يشخصون تحديات المرأة.. ودعوات لمعالجة البطالة والزواج المبكر والابتزاز
الأكثر قراءة
الرأي

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!
د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...









