TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > داعش "الفكرة" لم يهزم بعد

داعش "الفكرة" لم يهزم بعد

نشر في: 4 إبريل, 2015: 09:01 م

على هامش معرض الكتاب الذي تنظمه المدى في اربيل، اتنقل بين حوارات الاصدقاء والضيوف والمتبضعين، وهم قادمون من داخل البلاد وخارجها، زائرون من البصرة، ونازحون من الموصل وتكريت التجأوا لاربيل، وموظفون حكوميون ومعارضون ومقاتلون سابقون، والجميع يتحدث عن المعارك الاخيرة التي كشفت وجود ارادة طيّبة يمكن تنظيمها لاستعادة هيبة الدولة والمجتمع المحلي، امام داعش. وكشفت ايضا نقاط ضعفنا سواء تعلق الامر بالمواطنين والمحاربين، او الطبقة السياسية.
الكثير من اهل تكريت كانوا يتحدثون عن الاف المتطوعين من ابناء المدينة، لم يسمح لهم بالمشاركة في تحريرها، والسبب نقص الثقة بين الفصائل، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. والكثير من العراقيين بالطبع قلقون من اخبار حول نهب وسرقات تجري في تكريت وتفسد شيئا من نشوة النصر. وهذا قلق يشبه مخاوف الحكومة التي اصدرت تعليمات واضحة، ومخاوف المرجعية العليا، ومخاوف مقتدى الصدر الذي تحدث بوضوح عن ضرورة ضبط الانتشار العسكري للحؤول دون حصول هذه المشاكل.
رجل حكيم من صلاح الدين يقول لنا: كل الخسائر تعوض، لكن كيف سنقنع أهلنا بأن العناصر المسيئة لا تمثل كل قوات الحشد الشعبي؟ وكيف سنمنع تأثير هذا الشرخ على بناء الثقة ودفع التسويات السياسية؟
اما الرجل الحكيم الآخر من بابل فسأل هو الاخر: وكيف سنقنع الفرات الاوسط بأن من ذبح اولادهم في سبايكر لا يمثلون اهل صلاح الدين؟
التساؤلات هذه ترسم المهمة السياسية الكبيرة والصعبة التي تسير ببطء، لكن المهم في هذا الاطار ان نتذكر ان دحر داعش كقوة قتالية امر يتم بتضحيات غالية للشباب، لكن دحر داعش كفكرة متشددة تنمو في بيئة غضب وانفعال، يتطلب تحريك خطط كبيرة لازالة الاحتقان الذي تستغله داعش. ولايزال خطر داعش قائما كفكرة غاضبة، والفكرة الغاضبة يمكن ان تعاود الظهور على وجه السرعة، وتأخذ اشكالا اخطر، والدليل اننا كعراقيين عجزنا عن العمل معا اثناء عملية تكريت، ولم نحسن بناء ثقة تسمح بتشارك الدم والتضحيات بما يكفي، واللوم هنا لا يقع على طائفة دون اخرى، بل لا يقع باكمله على العراقيين، بعد ان صارت العوامل الاقليمية والدولية تتدخل اكثر من المعتاد، في تأجيل اتفاقاتنا السياسية.
ويكفي اننا كنا سعداء بوجود محافظ صلاح الدين ورئيس مجلس المحافظة، بين الاف الجند ومعظمهم من جنوب البلاد، واعتبرنا ذلك مشاركة رمزية لاهل المدينة، يمكن ان تتطور في باقي قواطع العمليات، غير ان الرجلين سرعان ما صرحا بالحرج الكبير امام جمهورهما، بعد ساعات من تحرير تكريت. من المستفيد من هذه الشروخ الجديدة، ومن يقدم كل هذه المساعدة المعلنة لداعش، ومن الذي يتمنى ان تبقى داعش كفكرة غاضبة تمنع طوائف العراق من العمل مع بعض؟
ويمكن ان نتهم اكثر من طرف اقليمي ودولي بتأجيج هذه الانقسامات وسط الحرب، لكن لا ينبغي لذلك ان يعفينا من المسؤولية، اذ مهما فعل الاغراب والمندسون والطارئون واللصوص التقليديون، فانه سيظل في وسع العقلاء تخفيف حدة الانقسام، عبر التعامل السريع والمسؤول مع الخروقات في مرحلة ما بعد داعش بتكريت. خاصة واننا لانزال في بداية الطريق وامامنا مهمة عسيرة غربا في الانبار، وشمالا نحو الحويجة ونينوى، ولايزال نحو خمسة ملايين عراقي يتعرضون مباشرة لويلات الحرب.
ان حسم جبهة الانبار والتفكير بجدية في وضع الموصل، لا يمكن ان يتم قبل ان يواجه القادة العراقيون اسئلتهم الكبرى، ويحددوا ملامح الاتفاق الامني والاداري للمناطق المحررة، لتطويق داعش كفكرة غاضبة، قبل الاطاحة بها كقوة قتالية. ذلك لان المضي قدما في الحرب مع مزيد من الدم والمال والسلاح، سيعرض التضحيات الغالية الى التبديد، وسيجعلنا نخاطر بعودة داعش بصيغ اخرى، تعتاش على الغضب والشعور بالظلم والانتهاك، وحينها يتكرس الفشل السياسي كوصفة لحرب طويلة بلا نهاية معقولة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو سجاد

    المسالة ليست بهذه السهولة لايتم اتفاق سياسي داخلي ولاتوجد تفاهمات بين المسؤلين العراقيين لانهم ينتمون الى غير العراق ويتحدثون باسم من يملي عليهم ارادته من خارج البلاد فلا اعتقد ان هناك امل في اعادة بناء عراق موحد عابرا للطائفية والعرقية فهناك ازمات كب

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram