ما زالت دمعة صديقي الشاعر الشعبي الراحل عباس الحميدي تلوح لي يوم التقيته في اول أيام ما بعد السقوط في العام 2003. ربما هي المرة الأولى التي أرى فيها عينيه تدمعان رغم عشرتي الطويلة معه. الحكاية أني انتقدته لأني وجدته قد أصدر ديوانه الشعري الأول ووضع عليه اسمه مسبوقا بلقب "الشاعر الكبير". قلت له يا عباس لا يجوز للشاعر ان يقول هذا عن نفسه وليدع الآخرين يقولونه عنه. هنا دمعت عيناه وهو يرد علي: شسوي اذا محد يكولها عني وبس يكولوها لربعهم، رغم اني كتبت قصائد واغاني حلوة بشهادة الجميع. لا تحزن، يا أبا نادية، فانه داء البخل الروحي الذي استفحل عن الكثير من العراقيين وللأسف.
ولكي اواسيه حدثته عن "اخو اخيته" الذي كتبت لكم عنه في عمود سابق. ذلك الذي خلص القرية من السبع الذي جعلها تنام مع الدجاج من الخوف الى ان ذهب لوحده ليقضي عليه. احتفل اهل القرية بالنصر وهم يشكرون الشيخ ولا يشكرون البطل.
نلوم الدول التي لم تشاركنا فرحتنا بانتصارنا الكبير في تكريت وقلنا انهم "يكرهوننا". وهجمنا بكل ما أوتينا من قوة، ونحن على الاغلب محقون، بعض الذين أجهدوا انفسهم بسرقة فرحتنا. لكن هل سألنا انفسنا لماذا بخل ذوو القربى على القائد العام للقوات المسلحة بكلمة شكر او تهنئة؟ لماذا كان الذي قبله تنهال عليه المدائح والتشكرات والتهاني والقاب المختارية واخواتها، من قبل أعضاء التحالف ودولة القانون بالذات، وهو لم يقدم للعراق غير البؤس والنكسات.
لم يهنئ العبادي بالنصر سوى رئيس إقليم كردستان، الذي بحثت كثيرا فلم أجد غيره مهنئا. سياسيو الشيعة يلومون سياسي السُنة على مدار الساعة ويتهمونهم بالحزن لان "تكريتهم" ضاعت! فأين فرحكم انتم أولا؟ وأين وقفتكم مع الذي هو منكم وفيكم كما يقول أهلنا؟ أطائفية داخل طائفية هذه المرة؟ بالشكر تدوم النعم يا حضرات. وحتى الرب عندما لمس البخل يبّس أرواح بعض المؤمنين، قال: وان شكرتم لأزيدنكم.
نعم ان الرجل متواضع وعملي أكثر مما هو قوّال. وقد لا يهمه ان هنأتموه أولم تفعلوا. لكن بخلكم عليه بكلمة طيبة لن يؤذيه بل سيؤذيكم انتم. تطلعوا بوجوهكم في المرآة وانظروا بالذي فعله بها بخلكم المقيت. اما الذي فعله بقلوبكم فذلك علمه عند الله وعند الراسخين بحب العراق.
الانتصار والبخل الروحي
[post-views]
نشر في: 6 إبريل, 2015: 09:01 م