بالتأكيد، من دون قوات الحشد الشعبي ما كان في الإمكان تحرير مدينة تكريت وبلدات أخرى في محافظتي صلاح الدين وديالى من سيطرة داعش، مثلما لم يكن في المستطاع من دون قوات البيشمركة تحرير المناطق التي احتلها التنظيم الإرهابي قبل عشرة أشهر في محافظات نينوى وأربيل وكركوك.
المؤسسة العسكرية والأمنية التي بنتها الحكومات السابقة وأنفقت عليها أكثر من مئة مليار دولار، تبيّن لنا قبل عشرة أشهر انها كانت عليلة ومنخورة من الداخل بفعل الفساد الإداري والمالي ونظام المحاصصة الطائفية والحزبية المعمول به في التعيينات في المناصب والوظائف العليا والوسطى، وحتى الدنيا، في مؤسسات الدولة كافة .. لم تتعامل تلك الحكومات، وكذا مجالس النواب السابقة، مع المؤسسة العسكرية والأمنية، كما سائر مؤسسات الدولة، بوصفها مؤسسة وطنية لا يجب في أية حال من الأحوال وفي كل الظروف تسييسها أو العمل على أساس انها المؤسسة الشخصية لرئيس الوزراء والقائد العام للقوات العسكرية.
ما حدث قبل أربعة أشهر كان هزيمة مُذلّة للمؤسسة العسكرية والأمنية وقياداتها، بل للنظام السياسي برمّته، ولو كانت لدينا طبقة سياسية تحترم نفسها وتتحلى بالحد الأدنى من الحس الوطني، ما كانت أصرّت على البقاء في السلطة وإعادة إنتاج نفسها ونظامها السياسي.
إعادة بناء القوات العسكرية والأمنية على أسس وطنية ومهنية لجعلها قادرة على الردّ على عدوان داعش، تتطلب مهلة قد تصل الى عشر سنوات، بل قد تستغرق وقتاً أطول في ظل النظام السياسي الحالي.
الحشد الشعبي كان ضرورة وطنية، وهو لم يزل كذلك، فتحرير الأنبار ونينوى لن تستطيع إنجازه المؤسسة العسكرية والأمنية الموروثة من الحكومات السابقة ولا حتى بعد عشر سنوات، ما لم يجر تعديل مسار العملية السياسية وإصلاح النظام السياسي إصلاحاً بنيوياً جذرياً.
الضرورة الوطنية لانبثاق الحشد الوطني واستمرار وجوده لا ينبغي أن تحوّله الى قدس الاقداس، فعناصره بشر وقادته بشر، والبشر خطّاؤون بالضرورة. في تكريت ارتكبت عناصر في الحشد الشعبي انتهاكات للقانون وتجاوزات على حقوق الإنسان، هي امتداد لانتهاكات وتجاوزات مماثلة ارتكبت في مناطق أخرى.
الدفاع عن الحشد الشعبي لا يكون بالتستر على تجاوزات وانتهاكات بعض عناصره ولا بنفيها نفياً مطلقاً.. فمثل هذا التستر أو النفي سيشجّع العناصر الرديئة في الحشد الشعبي على ارتكاب المزيد من التجاوزات والانتهاكات وتشويه صورة الحشد كمؤسسة وطنية والطعن في مهمته الوطنية، وبالتالي تقديم خدمة مجانية لداعش.
في النظام الديمقراطي النقد واجب وليس ترفاً، وهو واجب على الإعلاميين وسائر المثقفين، فضلاً عن السياسيين. ونقد الحشد الشعبي عن تجاوزات بعض عناصره واجب وطني وضرورة وطنية، فهو ليس قدساً، ولا ينبغي أن يكون كذلك.
الحشد ليس قدس الأقداس
[post-views]
نشر في: 6 إبريل, 2015: 06:01 م