فاضل ثامر على الرغم من مظاهر النضج التي راح يكشف عنها النقد العربي الحديث من الناحية المنهجية خلال الفترة الأخيرة، ومازلنا نجد بعض الأدباء والنقاد الذين يتخذون موقفاً سلبياً من المصطلح النقدي الحدي ويحاولون إقامة أو تأسيس مصطلح نقدي جديد خاص بهم خارج السياق العام المعترف به لتشكيل المصطلح النقدي وضعاً أو تعريباً أو ترجمة.
من المعروف أن من مظاهر تبلور الوعي النقدي المنهجي الوصول الى مشترك لفظي واصطلاحي يتحول بمرور الزمن الى مواضعة اجتماعية وثقافية مشتركة قادرة على ان تتحول الى شفرة قابلة للفهم والتواصل، ولهذا فقد أصبح المصطلح النقدي هو الشغل الشاغل للحركة النقدية العربية في العصر الحديث، فهو السبيل لتجاوز مرحلة اللامنهج والانتقال من العشوائية والانتقائية والانطباعية في الحكم النقدي الى الوعي النقدي المنهجي القائم على أسس ومعايير نقدية واصطلاحية مشتركة ومعترف بها من قبل المؤسسة الثقافية والنقدية، الا ان إصرار بعض النقاد على البقاء عند المرحلة الانطباعية والذوقية أو محاولة توليد نظام اصطلاحي فردي خارج المواضعة الثقافية والاصطلاحية سيقود بالتأكيد الى التوزع المنهجي والاصطلاحي وبالتالي غياب لغة مشتركة بين الناقد والقارئ. ويبدو ان مشكلة التعامل مع المصطلح النقدي قد ظهرت بصورة قوية منذ أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات وبالذات بعد ان ضخت الاتجاهات النقدية الحديثة التي اطلقها الانفجار اللساني والسيميائي مجموعة كبيرة من المصطلحات النقدية الجديدة التي تمحورت تحت أبواب الشعرية Poetics والسردية narratalogy والتأويل والقراءة والتلقي والتفكيك والبنية وما الى ذلك والتي تشكل بدورها معجماً اصطلاحياً متكاملاً، وقد برزت هنا مفارقة تتمثل في ظهور موقف سلبي لبعض النقاد رافض لهذه المصطلحات النقدية الجديدة ومحاولة الاشتغال نقدياً خارجها أو بدونها، بينما كان هؤلاء النقاد أنفسهم قد تقبلوا المصطلح النقدي الغربي الذي سبق لهم وإن تلقوه من اتجاهات نقدية وأدبية برزت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وفي مطلع القرن العشرين، ولذا تظل الحاجة الماسة قائمة للعودة الى هذا المشترك اللفظي والاصطلاحي ضمن الحدود التي تتطلبها الممارسة النقدية ومتطلبات الدرس النقدي ومثل هذا الأمر لابد له أن يتم عبر عملية فحص ومراجعة وغربلة دقيقة لهذا المصطلح وعدم تمريره بطريقة عشوائية أو تقليدية ومحاولة ربطه بالحصيلة النقدية الحديثة من جهة وبموروثنا النقدي والبلاغي لكي يتسنى للحركة النقدية والأدبية العربية من خلق لغة اصطلاحية مشتركة تحقق التواصل الصحيح بين الناقد والقارئ. من المعروف ان المصطلح لا يتشكل من لغة اعتيادية Language وإنما من لغة واصفة أو انعكاسية تسمى أحياناً "ما وراء اللغة" Meta-Language وهي لغة تمتلك قدرة أكبر على التجريد الذهني لأنها تتجاوز الإطار اللفظي والمعجمي وتزحزحه الى دلالات جديدة. وقد سبق للجرجاني وإن تنبه لذلك عندما أشار الى ان الاصطلاح هو "اتفاق القوم" على وضع الشيء، وقيل إخراج الشيء عن المعنى الى معنى آخر لبيان المراد". ان هذه الخصوصية التي يمتلكها المصطلح في الأنظمة الدلالية هي التي تدفعنا للتأكيد على أهمية الوظيفة الابستمولوجية التداولية التي يمكن ان يحققها المصطلح بوصفه وسيطاً بين مختلف اللغات، وبذا يمتلك المصطلح قدرة تداولية وإعلامية فاعلة بسبب امتلاكه لمواضعة اجتماعية وثقافية تعاقدية بين مختلف الثقافات واللغات الإنسانية، وهو ما يفسر لنا سر تحول المصطلح في الثقافة الإنسانية الى رسول مشترك للتواصل ولغة أبلاغية موحدة، وقد كان الدكتور عبد السلام المسدي على حق عندما تحدث عن ذلك بوضوح عندما قال: "إذا ما كان اللفظ الأدائي في اللغة صورة للمواصفات الاجتماعية فإن المصطلح العلمي في سياق النظام اللغوي نفسه يصبح مواضعة مضاعفة، إذ يتحول الى اصطلاح في صلب الاصطلاح، فهو إذن نظام إبلاغي مزروع في حنايا النظام التواصلي الأول، وهو بصورة تعبيرية أخرى علامات مشتقة من جهاز علامي أوسع منه، كما وأضيق دقة، وبذلك يغدو المصطلح إعلامياً بأنه شاهد على غائب أو هو حضور لغيبة لأنه تعبير علمي يتسلط فيه العامل اللغوي على ذاته ليؤدي ثمرة العقل العاقل للمادة اللغوية. ويجب إن نعترف ان مشكلة أو إشكالية المصطلح النقدي الحديث لا يمكن ان تحل بسهولة في النقد العربي الحديث، وذلك لأن هذه المشكلة تنشأ من مجموعة كبيرة من العوامل، ربما منها مشكلة ترجمة هذا المصطلح وتعريبه من اللغات الأخرى، فهناك أولاً المشكلة الناجمة عن عدم اتفاق المترجمين والنقاد العرب على ترجمة معتمدة لهذا المصطلح أو ذلك على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها المجامع اللغوية العربية ومركز التعريب التابع للجامعة العربية ومجلته "اللسان العربي" التي تصدر في المغرب وبقية المؤسسات الجامعية والثقافية، ولذا تلح الحاجة على الوصول الى مشترك اصطلاحي مترجم أو معرب تفادياً للتشتت والتباين واللبس والغموض، وحبذا لو يصار الى تعاون مشترك بين المؤسسات العلمية الثقافية العربية لإعداد معاجم اصطلاحية موحدة ملزمة للجميع. اما المشكلة الثانية فناجمة عن قيام حركة الترجمة من لغات مختلفة مباشرة أو عبر لغة وسيطة وهو ما
نحو تأصيل المصطلح النقدي وتجذيره
نشر في: 21 ديسمبر, 2009: 05:06 م