جرت العادة في بلاد العالم المتقدم ان تقيّم الصحافة دائما الاشهر الاولى من حكم المسؤول الجديد، وان تبحث فيها عن علامات التغيير، ودلالات النجاح ومؤشرات الفشل، ومنذ الايام الاولى لجلوس حيدر العبادي على كرسي المسؤولية تطلع العالم الى بغداد في ترقب، ترى اي نوع من السياسيين سوف يكون رئيس الوزراء الجديد ؟ من اين سيبدأ والى اين سينتهي؟ اين سيكون التغيير: في السياسة ام في الامن؟ كيف سيتعامل مع شركائه في الوطن؟ وماذا عن علاقته بايران، وكيف ينظر الى دول الجوار؟ هل ستجد الناس امامها مسؤولا يعرف هواجس الناس جيدا، ويدرك حجم المأزق الذي تعيشه جميع الاطراف؟ والسؤال الاهم كيف لرجل قادم من حزب ديني ان يخطو خطوات باتجاه اقامة دولة مدنية؟.
في الايام الاولى حاول الجميع ترصد هفوات العبادي البسيطة، ولهذا رأينا كيف امتلأت صفحات الفيسبوك وتويتر بحكايات عن طريقة شده للحزام، والبعض وجد في تعثره بملعب الشعب دليلا على ان الرجل لايفقه باصول الاتكيت، فيما اخرون انصرفوا لحساب عدد ازرار سترته، فضلا عن بوستات وصور تريد ان تقول للناس ان رئيس الوزراء الجديد يحتاج الى سنوات طويلة كي يتعلم ابجديات الحكم، وخاض مقربون من رئيس الوزراء السابق حملة شعواء من اجل اثبات ان العبادي لا يملك القدرة ولا المقدرة لادارة شؤون البلاد، فسمعنا صرخات عالية نصيف عن الحقوق التي يضيعها العبادي كل يوم، وتابعنا معارك الفتلاوي الفضائية من اجل اثبات ان التغيير سيؤدي بالعراق الى التهلكة، لكن لا احد التفت إلى خطوات العبادي التي قطعها بين الكاظمية والاعظمية، ولم يرد البعض ان يصدق ان رئيس الوزراء الجديد سيحل ازمة الموازنة بلا معارك طائفية، وانه سيحمل بيده علم تحرير تكريت بعد ان قدمها البعض على طبق من ذهب الى عصابات داعش.
لا تحتاج الحوادث الكارثية التي حصلت خلال السنوات، الى ذكاء لكي نكتشف ان العراقيين دفعوا ثمن غياب الخير والأهم أنهم دفعوا ثمن غياب المسؤولية الوطنية، واعلاء شأن الطائفية والحزبية، وقد بدا ذلك واضحا في الطريقة التي تعامل بها البعض من مسؤولينا مع الأحداث الجسيمة.
قبل زمن سألت وفي هذا المكان لماذا يرفض نوري المالكي ان يجلس مع المختلفين معه، ويفتح حوارا جادا من اجل المصالحة ونسيان الماضي.. وبالأمس كانت صورة حيدر العبادي وهو يهبط بطائرته في مطار اربيل ويصافح ساستها دليلا على اننا ندخل في مرحلة جديدة مطلوب فيها ان نتعلم ونفهم ماذا يعني التسامح وماهي حدود الخير، وماهي مسؤولية السياسي في إعادة الوجه النقي والإنساني لمفهوم الوطنية، والتصدي لمهمة إزالة ما علق به من مفاهيم طائفية.
يحاول العبادي ان يقدم قدرا هائلا من التسامح في بلاد اريد لها ساستها ان تمتلئ بالاحقاد والضغائن.. أليست المصالحة الوطنية أعظم من الكبرياء الفارغة؟ أليست يدا نمدها للذين يختلفون معنا في الرأي، أطيب واجمل من كل الخطب الفارغة؟
تشبه حكاية العراق خلال السنوات الماضية، قصص الجريمة التي كتبها الفرنسي كلود سيمون وحصل من ورائها على مليون دولار قيمة جائزة نوبل للاداب، القاتل والقتيل، المجرم والبريء، رجل القانون ورجل الثأر، لكن على مدى اكثر من عشر سنوات، لم تكن المسألة حكاية في كتاب مشوق، كانت عذابا وشقاء لملايين. وكانت تشريدا وقتلا وتهجيرا لمئات الالاف، وكانت محاولة لاخراج دولة من العصر الحاضر، ورميها في اتون ماض سحيق.
قبل اكثر من ثمانين عاما كتب الايطالي انطونيو غرامشي من زنزانته التي مات فيها تحت تعذيب وحشي: " رجل الحكم الجاهل يقتل الامل في النفوس، أما الناضج المتسامح، البعيد عن الثأر، فهو الجدير باحترامنا".
بغداد من دون خطابات الثأر
[post-views]
نشر في: 7 إبريل, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ياسين عبد الحافظ
يستحق الرجل فرصة وربما اكثر ربما للتركة الثقيل ة،لاكنى ارى فى الافق ملاحظات وصور تحتاج الىحزم وارادة .امضى الى امام بحذر واحسبها بشكل مضبوط لان الاحداث متسا رعة ونوعيتها عولمية ، وبعد عاصفة الحزم فان خارطة الشرق الوسط الجديدجاهزة للطبع
ياسين عبد الحافظ
تحاول دول الشرق الاوسط ان تفعل شيء ،فتصطدم بالواقع العولمى، الفضاء تجوبه الاقمار، المحيطات ومضاءقها تحت السيطرة،الاعلام الالكترونى والثقافة الانسانية متجهة كلها للقرية الصغيرة ووو، رجاء ياسادة دعوا الفريق الجراحى فقد انهى عمله ،،بامكانكم زيارة المريض ولا
ياسين عبد الحافظ
التعليق الاخير هو للمقال الاخير للاستاذ على حسين بعنوان بغداد من دون خطابات الثار....لعدد اليوم للتنويه رجاء مع التقدير