TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بغداد من دون "ذكورية" عبعوب

بغداد من دون "ذكورية" عبعوب

نشر في: 10 إبريل, 2015: 09:01 م

كان عبد الكريم قاسم صادقاً في موقفه من المرأة.. ما هي أولويات هذا الموقف؟ إنها المساواة. هكذا أثبت لنا تجربة ثورة 14 تموز حين أصرّ القائمون عليها على إصدار قانون للأحوال الشخصية يمنع استغلال المرأة، ويرفع من شأنها، ويجعلها نداً للرجل في بناء المجتمع. في ذلك الحين كانت نزيهة الدليمي تؤكد في كل اجتماعات مجلس الوزراء أن تعليم المرأة يبقى أهم من كل الخطب. وفيما كانت الأنظمة العربية تكبّل النساء بقوانين جائرة قرّر عبد الكريم قاسم أن يدعم النساء.
يحار الجميع اليوم في تفسير سلوك العراق المدني آنذاك الذي جلب لعبد الكريم قاسم عداوة رجال الدين ودعواهم بأن يسقط هذا النظام الذي منع زواج القاصرات، وأصر على عدم تعدد الزوجات، وساوى بين الذكور والإناث في الحقوق والواجبات.
ولكن من سوء حظ النساء أن الذين رفعوا رايات الدفاع عن حقوق المرأة قامت عليهم الدنيا ولم تقعد، إلا بعد أن أُعدم عبد الكريم قاسم في دار الإذاعة، وتتحول نزيهة الدليمي من أول وزيرة في بلاد العرب إلى أقدم لاجئة تموت وفي النفس حسرة على ماجرى لهذه البلاد.
بالأمس تذكرت حيرة عبد الكريم قاسم ومحنة نزيهة الدليمي وأنا أسمع رئيس الوزراء حيدر العبادي يقول، إن معظم الكتل السياسية اعترضت على ان يمنح منصب أمين بغداد لامرأة، لماذا ياسادة؟ لأنها حسب رأيهم ومرجعياتهم التراثية والفكرية ناقصة عقل ودين.. فكيف يتسنّى لامرأة " ضعيفة " أن تتحكم برجال أشدّاء مثل عبعوب – بالمناسبة ما أخبار وسيم بغداد،وهل صحيح أنّ نزهته في بلاد العم سام دفعت من أموال الأمانة؟ لم يتردد البعض من الذين يستمعون إلى خطاب العبادي من أن يتجهموا ويتلعثموا والبعض منهم بل أكثرهم استنكف ان يُحيّي النساء.. ولم يكن السادة الذين يرفع شعار " المرأة عورة " بعيداً عن تنظيرات مسؤولينا الكبار الباسلة الذين اكتشفوا أن وجود امرأة على رأس إحدى المؤسسات التنفيذية هو السبب في كل الخراب الذي نعيش فيه!
كانت النساء يعتقدنَ أنّ التغيير سيحررهنَّ من صولات "القائد الضرورة " الإيمانية، وأن الفيلم الهابط الذي كان يشرف على إنتاجه الحاج طلفاح سيتوقف.. ولكن بعد سنوات من التغيير وجد الناس أنها تعيش في ظل مسؤولين ورجال دين يتصورون أن الاختلاط في الجامعات ومؤسسات الدولة يعني الابتذال والفجور.. وحين تتحدث عن حرية الرأي والملبس يقولون لك: تريدون مجتمعاً فاجراً.. الجميع يريد إعادة تربيتك لتصبح مواطناً صالحاً وقانعاً بشكل النظام السياسي الذي يفصّلونه لك من خرافات مهمتها تربية الشعب وضبط أخلاقه..لا تتكلم عن حرية ولا عن عشق الحياة.. لا توجد امرأة خارج دائرة الخطيئة.. لاعلاقات عمل ولا زمالة بين الطلاب..الكل يجب أن يوضع تحت سلطة كاميرات الرقابة التي زرعت في نوادي الكليات وحدائقها بمباركة من مسؤولين كبار يستعيذون بالرحمن من شيطان امرأة سافرة.. لكنهم لا يمانعون من إقامة علاقات سرية ومشبوهة خارج رقابة المجتمع.
من سوء حظ أمينة بغداد أنها تعيش في بلاد، ساستها منقسمون بشأن المرأة. فمنهم من ينكروجودها، ومنهم من يهينها، ومنهم أخيراً من يدمّرها من خلال محاولة منعها تسلم مناصب قيادية.. وقد يكون العراق أول بلد عربي يصدر قانوناً ينصف المرأة قبل اكثر من نصف قرن، لكنه ايضا اول بلد في العالم يسمّي وزيرة للمرأة عُرفت بدعواتها المستمرة إلى
عدم التساوي بين الرجل والمرأة فيزيولوجياً أو عقلياً، وكانت،وأقصد الوزيرة السابقة ابتهال كاصد تؤيد مبدأ الزواج المبكر للفتاة وقد اعترفت صراحة أن الرجال قوامون على النساء وهم أصحاب الحق القيادي في الأسرة، أما الوزيرة الحالية فقد أبلغتنا صراحة انّ ما يكتب عن حقوق المرأة في العراق " كلام فارغ" .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عراقي

    الاخ الكاتب علي حسين المحترم تعقيبا على ماورد في مقالكم حول المرأه أودّ القول ان ،الكثير من نساء العالم خططن لهزم جيوش عربيه ،أوقادتها أمثال كولدا مائير ،كذا الحال فان تاتشر قادت بريطانيا العظمى ،وحاليا المستشاره الالمانيه التي تقود دولة الحضاره والصناع

  2. مواطن عراقي

    الاخ الفاضل علي حسين المحترم انه حقا المضحك المبكي العالم يتسابق بالتطور العلمي والاقتصادي، والعراق الذي سبق المنطقة بمجلس اعمارهوقوانينه المدنية الرائعة، اليوم نسير الى الخلف بخطى واثقة، فما حققناه من تخلف حضاري خلال العقد المنصرم يندى له الجبين. ما ا

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram