TOP

جريدة المدى > عام > جائزة البوكر العربية..ما لا يعرفه المثقفون.. ما يجب أن يعرفه المثقون

جائزة البوكر العربية..ما لا يعرفه المثقفون.. ما يجب أن يعرفه المثقون

نشر في: 11 إبريل, 2015: 09:01 م

( 1 )لكوني أول شخص يتمّ اختياره من داخل العراق عضواً في لجنة تحكيم جائزة أدبية عربية أو عالمية، وهي تحديداً الجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة بجائزة (البوكر العربية)، بعد اختيار بضعة عراقيين من خارج الوطن من قبل ليكونوا أعضاء في مثل هكذا لجا

( 1 )
لكوني أول شخص يتمّ اختياره من داخل العراق عضواً في لجنة تحكيم جائزة أدبية عربية أو عالمية، وهي تحديداً الجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة بجائزة (البوكر العربية)، بعد اختيار بضعة عراقيين من خارج الوطن من قبل ليكونوا أعضاء في مثل هكذا لجان، سألني الصديق الأستاذ علاء المفرجي، مسؤول الصفحة الثقافية في جريدة (المدى) عن طبيعة هذه الجائزة وطبيعة لجنة التحكيم ذات الخمسة أعضاء لهذا العام، وعن مجريات التحكيم والاختيار والنتائج؟ واستجابةً لطلب الأستاذ المفرجي وجريدة (المدى)، وتغطيةً لأسئلته، أحاول هنا عرض ما أجده مفيداً للقراء عموماً وللأدباء خصوصاً وللروائيين منهم بشكل أخص، مراعياً عدم الدخول في ما لا تسمح الأخلاق الأدبية والالتزام تجاه لجنة التحكيم التي لا تزال (شغّالة) كما يقولون، ومجلس أمناء الجائزة بأعضائه الرصينين، والجائزة ذاتها غير المعلن عن الفائز بها حتى الآن.
بداية لا بد من أن أقول: إنني فوجئت، ولا أريد أن أقول صُدمتُ، حين اكتشفت أن الكثير من المثقفين الذين يتكلمون عن الجائزة، تقييماً أو نقداً أو إشادةً أو تجريحاً لها، لا يعرفونها هُويةً وبنيةً وطبيعةً وفلسفةً، بل ربما لا يعرفون إلا ما يظهر منها على السطح من خلال الخبر الصحفي غالباً، وهو لا يغطي إلا القليل من بِنية الجائزة وقد لا يكون هذا الذي يعرفونه دقيقاً.
وهكذا يقترب من هذا ما عكسته كتابات مثقفين، بعضهم كبار، عن الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) من دون أن يتجشموا (عناء) معرفة شيء من طبيعية هذه الجائزة وفلسفتها وأصولها وأهدافها وإجراءاتها. فتكلم الكثير منهم عما يسمونه أهداف الجائزة المشبوهة من الإضرار بالرواية العربية، وتشويه العرب، وتسويق القيم الغربية، ونشر غسيلنا.. إلى غير ذلك مما يقولون أنه يتم وفقاً لتوجيه القائمين على الجائزة، بينما يفوت هؤلاء أن أحد أهم مبادئ الجائزة التي تقترب تطبيقاً من القوانين هو عدم جواز إجراء أي اتصال بين أي من أعضاء مجلس الأمناء بأي عضو من أعضاء لجنة التحكيم قبل الكشف عن أسماء اللجنة إعلامياً وعن روايات القائمة القصيرة. وهكذا ترون المتكلم مثلاً قد انقطع عن الاتصال بصديقه الدكتور رشيد العناني، من نحو عام بسبب كون المتكلم عضواً في لجنة التحكيم وكون العناني عضواً في مجلس أمناء الجائزة.
ويعكس مثل هذا الجهل بالجائزة ما كتبه أحد الكتّاب العراقيين في صحيفة عربية بريطانية، فقال ما قال من (تنظيرات) وخلط وأخطاء، لاسيما في ما يخص لجنة التحكيم، مما كان ممكناً جداً تجنّبها لو أنه كلّف نفسه (عناء) البحث السريع بـ(الغوغل) ليجد تعريفاً فائضاً بكل من هؤلاء الأعضاء وليجد في النتيجة، أن الرواية كتابةً والأهم نقداً حاضرةٌ في سِيَرهم، وليعرف أيضاً أن الجائزة، لا العربية منها ولا البريطانية، تشترط ولا تستلزم، وفق طبيعتها وأهدافها، كما سنأتي بعد قليل، أنْ يكون أعضاء اللجنة روائيين، وهو على أية حال جهلَ أنّ لأحد أعضاء لجنة التحكيم أكثر من عشرين كتاباً منها رواية واحدة، وغالبيتها العظمى، وهذا هو المهم، عن الرواية، وقرابة نصف هذه الغالبية حاصلة على جوائز عربية كبيرة. كما كان غريباً أن يجد الكاتب أن الروائي هو الذي يجب أن يحكّم، ولا ندري من أين أتى بهذه الحكمة، وما المنطق في هذا؟ علماً بأننا لا ندّعي أنّ اعتماد روائي محكماً خطأ، بل ليس شرطاً، بل الأهم أن تضم ناقداً للرواية، وهو ما كان فعلاً، وأن تضمّ قارئاً للرواية، وضمّت اللجنة أكثر من قارئ غير عادي للرواية، كما من المفيد جداً، ولكن ليس من الوجوب، أن يكون ضمن اللجنة روائي وقد ضمّت الرواية أكثر من عضو كتب الرواية، كما قلنا. ثم مَن قال إن دارس الرواية وناقدها ومحكّم مسابقاتها يجب أن يعرف كتابةَ الرواية، كما يزعم صاحب المقال؟ هذه سذاجة أكثر منها تعبيراً عن رأي.
( 2 )
انتقالاً إلى الهدف من الجائزة معاييرها، فإنه، كما قلنا، تشجيع الكتابة الروائية ودعم الكتّاب ولكن الأهم، وترشيح الروايات يتم من دور نشر، هو الترويج للرواية وزيادة مبيعاتها، وبالتالي فالجائزة أكثر ما تستجيب لذائقة القرّاء مما يعني أنْ لا تكون المعايير النقدية، مع صحة اعتمادها وحتمية حضورها، هي الحاكم الأساس. وإذا كان هذا يشكل جزءاً من فلسفة الجائزة، مما يجهله بعض المثقفين، فإن تكملة هذه الفلسفة، مما يجهله بعض المثقفين أيضاً، يكمن في أنها لا تستهدف فئةً أو نوعاً أو نمطاً معيناً من الروائيين، بل هي مفتوحة على كل أنواع الكتّاب، متمرسين، وشباباً، وجدداً، وكبارَ عُمْرٍ وغيرهم. ومن هنا كان طبيعياً أن لا يقوم مجلس أمناء جائزة البوكر العربية، بتشكيل لجان تحكيمها من كتّاب الرواية ونقّادها، بل من تشكيلة متنوّعة من المثقفين، من نقـاد وأكاديميين وفنانين وصحفيين ومكتبيين، بل حتى قراء مثقفين، ومن خلفيات مختلفة ومن أعمار مختلفة يكونون الأضمن تمثيلاً للقراء وللذائقة، وهو ما تفعله جائزة البوكر البريطانية الأم، كما يمكن أن نرى ذلك في نماذج المحكّمين الاثني عشر الآتية من آخر خمس لجان تحكيم أو ست للجائزة البريطانية: مذيع (38 سنة)، صحفي (43)، روائية (45)، أكاديمي (48)، مذيع وممثل (37)، راقصة وكاتبة (45)، ناقد (44)، محرر ورئيس تحرير (40)، أكاديمي وناقد (55)، أكاديمية (43)، مؤلفة قصص وسِير (68) ، سياسي وعضو برلمان (61).
وهكذا، تعلقاً بهذا، من الغريب أن يقول أحد المثقفين العرب عن الجائزة: "إنني أرى أنها لا تمتلك فلسفة واضحة حتى الآن"، لماذا؟ لأنها كما يقول، تُمنح مرة لكاتب كبير، ثم تمُنح في عام آخر لكاتب شاب أو جديد. ولا نعرف أين الغرابة في هذا؟ وما علاقة هذا بفلسفتها؟ ولكن إذا ما ذهبنا معه في نعت مثل هذا بالفلسفة، أليس في عدم تخصصها بأيّ من هذين الكاتبين، إذن، فلسفة؟ أظن ذلك، ثم إنّ تبنّي أي من هذين سيجعلها مقتصرة على فئة معينة، وهو ما يتعارض تماماً مع ما تستهدفه الجائزة وما تريده لنفسها، فهي مبنية على خليط من آراء أعضاء لجنتها ذوي التخصصات المختلفة والمشارب المختلفة، على أن تكون لهم علاقة بدرجة معينة بالأدب والفن، وأن لا تخلو من متخصص في الرواية بشكل أو بآخر، وبمعزل عن أيّ معايير مسبقة. وهي تُمنح لأفضل عمل، من الأعمال المرشّحة من دور النشر، يتفق عليه أعضاء اللجنة هؤلاء أو أكثريتهم، كما قلنا، بمعزل عن عمره وتاريخه وسيرته، وهو ما يتفق مع ما تفعله الجائزة البريطانية الأصلية أو الأم، ولعل في استعراض آخر بضعة فائزين بجائزة البوكر البريطانية توضح ذلك، وهم: فلاناغان (53 سنة)، كاتون (28)، مانتيل (60)، بارنيس (65)، جاكوبسون (70)، مانتيل (58) وأدايغا (35).
في الحديث عن المعايير يجب أن نقول: إن من طبيعة جائزة البوكر، كما قلنا، أنها لا تضع معايير مسبقة تُفرض على أعضاء اللجنة، المتنوعي المشارب والتخصصات والأعمار والخلفيات. وهنا أشير إلى بعض هذه المعايير التي اعتمدَها جميعاً أو بعضها كل عضو من أعضاء اللجنة، وحضرت أو كادت تحضر جميعاً في كل مناقشات اللجنة:
الموضوع والأفكار، وكيفية المعالجة، والرؤية والموقف، والإقناع والإيصال، والشخصيات، ورسم الشخصيات ونموها وتطورها وامتلاكها الحياة والإقناع، والبناء والحبكة والنسق البنائي، والبداية والنهاية، والتقنيات، والمكان وتوظيفه، والزمان وتوظيفه، واللغة والإسلوب، ومناسبة اللغة مع السرد، والتكثيف والإيحاء، والحوار، والجدة والتجريب، وخرق المألوف، والسلامة اللغوية، والشد والإمتاع.
( 3 )
بقي أخيراً أن الصديق علاء المفرجي أثار تساؤلات عن طبيعة الروايات المرشحة لهذا العام، وعن صعود عدد ملفت للنظر من الروايات النسوية، وعن خلو القائمة القصيرة من الروايات المصرية، وعن وضع الروايات العراقية ضمن ذلك كله؟ فنقول:
بدءاً بواقع الروايات المرشحة، هي (183) رواية اُستُبعدت منها (3)، واحدة بسبب وجود رواية أخرى مرشحة للكاتب نفسه، وثانية لسحبها، وثالثة لوفاة مؤلفها. وإذا كان طبيعياً أن تتنوع هذه الروايات، وهي بهذا العدد الكبير، موضوعاً وفناً ومستوىً ومؤلفاً وجنساً، فإن ما لفت نظري، مما لا أدري إن كان موجوداً في روايات الدورات السابقة أم لا، أن عدداً كبيراً منها كان ضعيفاً إلى درجة كبيرة قد تصل إلى حـد السذاجة والبدائية، كما كان بعضها، في اضطرابها وتشوّشها وارتباكها، مُتعبة لقارئها، بل معذّبة له، وعلى المستوى الشخصي لقد عانيت الكثير مع مثل هكذا روايات بحيث كنت أتمنى لم أستطع معاقبة مؤلفيها كما مؤلفي الروايات الضعيفة السابقة وناشريها. إزاء هذين النوعين من الروايات، كان هناك المتميّز الذي لم يقتصر بالطبع على ما وصل إلى القائمة القصيرة.
انتقالاً إلى (ظاهرة) عدم صعود رواية مصرية إلى القائمة القصيرة، تُعيدني هذه إلى ما قلته من أنه ليس بالضرورة أن يكون كل عضو من أعضاء اللجنة، وأنا منهم، متفقاً على جميع من صعدوا إلى القائمة القصيرة، ومن قبلها القائمة الطويلة، مما قد يرى بعضهم استحقاق روايات غير صاعدة وضمنها مصرية للصعود، وعدم استحقاق روايات أخرى صعدت، ولكن هذا، كما قلت، ولا يعني بالضرورة أن هناك خطأ في ما تم اختياره، الأهم أن الاختيار تم بمعزل عن الكاتب وجنسية الكاتب وجنسية الناشر، وعليه ليس غريباً ألا تختار لجنة تحكيم، أحد أعضائها مصري، رواية مصرية.
أما عن النساء، وضمّ القائمة الطويلة والقائمة القصيرة عدداً من الروايات النسوية هو الأكبر من كل الدورات السابقة، فأظنه متأتٍ مما تشهده الرواية العربية، لاسيما خلال العقدين الأخيرين، من صعود ملفت للرواية النسوية.
أما عن المشاركة العراقية في هذه الدورة، فهي تمثّلت في (14) رواية استُبعدت واحدة منها بسبب وفاة مؤلفها وهو سعدي المالح رحمه الله، وضمن تعليمات الجائزة أن يكون الكاتب على قيد الحياة. وتعلمون أن واحدة منها صعدت إلى القائمة الطويلة وهي رواية (ريام وكفى) لهدية حسين وبظني هي أخذت، في ذلك، استحقاقها، أو هذا على الأقل الذي أنا شخصياً مقتنع به. بعض الروايات الأخرى اقتربت، ولكن ليس كثيراً، من القائمة الطويلة، لكن لم تتفق أو ترجّح اللجنة غير رواية هدية حسين للقائمة الطويلة، بينما ابتعدت غالبية الروايات الأخرى عن ذلك، بل القليل منها كان مُحرجاً لي شخصياً وأنا أراها بعيدة حتى أن استحقاق الترشيح، في وقت نرى خارج المجموعة المرشحة، روايات عراقية كان حظها سيكون أقوى بكثير لو قُيض لها أن تُرشّح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram