TOP

جريدة المدى > عام > د. قاسم حسين صالح ودور الأحداث في تشكيل الشخصية العراقية

د. قاسم حسين صالح ودور الأحداث في تشكيل الشخصية العراقية

نشر في: 12 إبريل, 2015: 12:01 ص

لايمكن تصور الشخصية العراقية أو فكّ شفرتها بسهولة فهي شخصية تحمل عدة اوجه في دقائق حيث يتبدل الموقف الحواري بين تارة وأخرى أو وفق طبيعة ونوع الآخر المحاور. كتب الكثير اشكالات وتقلبات هذه الشخصية منذ كتابة علي الوردي وإلى يومنا هذا ، لكن الباحث الدكتو

لايمكن تصور الشخصية العراقية أو فكّ شفرتها بسهولة فهي شخصية تحمل عدة اوجه في دقائق حيث يتبدل الموقف الحواري بين تارة وأخرى أو وفق طبيعة ونوع الآخر المحاور. كتب الكثير اشكالات وتقلبات هذه الشخصية منذ كتابة علي الوردي وإلى يومنا هذا ، لكن الباحث الدكتور قاسم حسين صالح له شأن آخر في كيفية تحليل وتشريح وتفكيك الشخصية العراقية، وهذا ما تناوله في الجلسة الخاصة التي أقيمت ضمن فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب بعنوان ( دور الأحداث التاريخية في تشكيل الشخصية العراقية ، تحليل سيكوبولتك) .

قدم الجلسة وأدارها الإعلامي مشرق ناجي الذي تحدث عن منطقة عمل الضيف وطبيعة عمله ومنجزاته في هذا المجال، مشيراً إلى برنامجه الشهير (حذارِ من اليأس).

 

تثليث العملية السياسية
في البدء نسأل د. قاسم حسين صالح عن ظاهرة غريبة:ان الحياة السياسية في العراق لم تفرز بعد التغيير قائدا سياسيا بمستوى رجل دولة..فما أسباب ذلك؟ فأجاب: المحللون السياسيون يعزونها الى ان التغيير في العراق جاء بتدخل اجنبي، ولو ان القوى السياسية العراقية كانت هي التي اطاحت بالنظام الدكتاتوري، لأفرزت قائدا سياسيا يوحّدها فتلتف حوله، لكنها كانت اشبه بفرق عسكرية متجحفلة في خنادق.. لكل خندق عنوان وقائد..يجمعها هدف واحد هو التخلص من النظام،وتفرّقها مصالح حزبية وطائفية وقومية.. ولأن ما يجمعها ينتهي بانتهاء النظام.. مضيفا: فان المصالح تتولى إذكاء الخلاف في ما بينها على حساب المصلحة العليا الخاصة بالوطن. ويذكر بريمر في مذكراته،ان الشيعة كانوا يأتونه للمطالبة بمصالح طائفتهم ،وكذا فعل السنّة والكرد..ويضيف: بأن لا احد جاءه يطالب بمصالح العراق.. وربما كان هذا هو السبب الذي دفع بريمر الى ان يدق (التثليث) في شاصي العملية السياسية العراقية. فضلا عن ان الأحزاب السياسية طاردة للمفكرين من الطراز الموسوعي الرفيع، لأن الأحزاب تحكمها آيديولوجيات وعقائد خاصة بها ،فيما العراق لا يمكن ان تستوعبه آيديولوجيا أو عقيدة محددة.
إنتاج أصناف متضادّة
وأضاف صالح: ومع صحة هذا التحليل فانه لا يقدم لنا تفسيرا متكاملا عن الشخصية السياسية العراقية،لأنه يغفل مصدرين رئيسين هما: طبيعة المجتمع العراقي، وطبيعة الأحداث التي شهدها العراق..وتفاعل هذان المصدران في تكوين الشخصية السياسية العراقية. لنبدأ باستهلال عن المجتمع العراقي يمهّد لفهم هذه الشخصية. مسترسلا: يختلف المجتمع العراقي عن المجتمعات الأخرى بأنه شعب منتج لأصناف متضادة من البشر بمواصفات عالية الجودة، فنحن منتجون لمبدعين ومفكرين وشعراء ورجال دين وشيوخ عشائر من طراز رفيع، وبالمقابل نحن منتجون لقتلة ورعاع وغوغاء بمواصفات "عالية الجودة"، ولكم أن تستشهدوا بقتلة العائلة المالكة عام 1958 والطواف بكفوف أيديهم في حشود هائجة بهستيريا الفاقدين لوعيهم الإنساني، وقتلة عبد الكريم قاسم والشيوعيين والوطنيين وإذابتهم أحياء بالتيزاب عام 1963، وقتلة البعثيين ووضع إطارات السيارات برقابهم وحرقهم وهم أحياء عام 1991.
مضيفا: نحن منتجون للطغاة نرفعهم الى السماء حين يكونون في السلطة ونمسح بهم الأرض حين يسقطون، وبالمقابل، نحن منتجون لأبطال تشوى أجسادهم بالنار وما يتنازلون عن مبادئهم. ونحن منتجون لمن يفلقون رؤوسهم بالحراب من أجل التاريخ والموت فداء لمن ماتوا، ومنتجون لمعتقدين عن يقين بأن تاريخهم مزوّر وأسود ومعرقل للتقدم يجب غلق غلافه الأخير.
ونحن منتجون لمن يعرفون بالغيرة العراقية والأنفة، ومنتجون أيضا لناهبين من طراز رذيل، ولا أرذل من سلوك ينهب الناس فيه وطنهم وذاكرة تاريخه، حتى صيروا الفرهود شطارة يتسابقون إليه حيثما حلّت بالوطن محنة.
وذكر صالح: وعلى هذا الإيقاع الثنائي لك أن تضيف ما تشاء من المتضادات التي يكاد ينفرد بها الشعب العراقي عن باقي الشعوب من حيث مواصفاتها "عالية الجودة ". ولنقل شيئا عن العراق له دلالاته في تكوين الشخصية العراقية.
دماء وأعراق وأقوام
وينفرد العراق عن بلدان المنطقة بأمور وأحداث لها تاريخ يمتد آلاف السنين يتمثل أهمها بالآتي: انه البلد الذي تؤخذ فيه السلطة بالقوة المصحوبة بالبطش بمن كانت بيده. والبلد الذي سفكت على أرضه أغزر دماء المحاربين من العراقيين والعرب والأجانب، لاسيما : المغول والأتراك والفرس والانجليز...وأخيرا، الامريكان. والبلد الذي نشأت فيه حضارات متنوعة ومتعاقبة، انهارت أو أسقطت بفعل صراع داخلي أو غزو أجنبي. والبلد الذي تنوعت فيه الأعراق والأديان والمذاهب، في مساحة مسكونة صغيرة نسبيا. والبلد الذي كان مركز الشرق الاسلامي حتى الهند والسند، وحيث عاصمته كانت مدينة الخلافة الاسلامية. ملتقطا بعض احداث ما بعد التغيير وأهم حدثين لهما علاقة بتشكيل الشخصية السياسية العراقية.
الأول: "ثقافة الاحتماء" وحدث تحول اجتماعي سيكولوجي سياسي خطير ،هو ان الشعور بالانتماء صار الى المصدر او القوة التي تحمي الفرد، وتعطّل الشعور بالانتماء الى العراق وتحول الى ولاءات لا تحصى.
والثاني: تبادل الادوار بين السنة والشيعة. فلقد كانت السلطة في العراق بيد السّنة العرب اكثر من الف سنة، فيما كان الشيعة في دور "المعارضة" للزمن ذاته. ولقد فهم تبادل الأدوار هذا بين الطائفتين كما لو كان تبادل ادوار بين "الضحية" و"الجلاّد".
البرانويا
وبيّن د. قاسم حسين صالح: الحقيقة التي تأكدت لنا نحن المعنيين بالاضطرابات النفسية ان في القادة السياسيين العراقيين من "الأفندية" و"المعممين" فرقاء مصابون بـ (البرانويا) التي تعني الشك المرضي بالآخر، كل فريق منهم صار يعتقد عن يقين (يقينه هو) ان الآخر يتآمر عليه لإنهائه حتى وصل الحال بهم الى رفع شعار (لأتغدى بصاحبي قبل ان يتعشى بيّ)..فتغدى الجميع بالجميع بوجبات من البشر تعدت المئة ضحية باليوم بين عامي 2006 و2007 تحديدا. ودفعهم هوسهم المرضي الى الايغال بأيهم يقتل اكثر وأيهم يتفنن بأساليب غير مسبوقة في بشاعة القتل والتعذيب. مبينا: ان الشخصية السياسية العراقية خلقت واقعا سياسيا طاردا لكل عقل سياسي وطني ناضج يمكن ان يكون بمستوى رجل دولة ،وانها لن تتعافى،على المدى المنظور، من عقدها النفسية .
1.عقدة الخلاف مع الآخر 
وقال صالح: كان لدينا شك يتاخم اليقين أن الشخصية العراقية أكثر ميلا الى الخلاف مع الآخر منه الى الاتفاق. وتحول هذا الشك الى يقين بعد أحداث السنوات التي تلت عام 2003 ، فرحت أبحث عن اسبابه فوجدت أن هذه الصفة ليست من صنع حاضر قريب، انما تعود الى تاريخ يمتد آلاف السنين.موضحا: اذا قارنا بين اسلافنا العراقيين والاسلاف المصريين نجد ان اسلافنا دنيويون اكثر فيما اسلاف المصريين آخرويون اكثر. فأسلافنا عدّوا الموت نهاية بشعة وشرّا عظيما، والعالم الآخر مكانا كئيبا موحشا، فيما اتسم موقف المصريين القدماء من الموت بالسكينة والاطمئنان وانه "عطر فواح كزهرة اللوتس" على ما يصفون!. مضيفا: وكانت لديهم قناعة راسخة بأنهم سوف يُبعثون ويعيشون الى الابد حياة سعيدة يمارسون فيها العمل الزراعي النبيل!.وهذا يعني سيكولوجيا ان الانسان الآخروي يميل اكثر الى الزهد بالدنيا والتسامح مع الآخر،فيما الانسان الدنيوي يميل الى الخلاف مع الآخر لاسيما اذا تعلق الامر بالسلطة والثروة.
2.عقدة تضخّم الأنا.
العقدة الأخرى التي أشار اليها الباحث: "تضخّم الأنا" غير "قوة الأنا" ، والنابعة من الثقة بالنفس والتقدير الموضوعي ـ الواقعي لقدرات وقابليات صاحبها، ومعبّرة عن الاعتزاز الإيجابي بالنفس واحترام الذات. أما " تضخّم الأنا " فهو حالة عصابية "مرضيه" لها أسباب متعددة من قبيل تراكم الشعور بالاضطهاد والاغتراب. مستطردا: ولكن العوامل المؤثرة والخفية في شخصية "الأنا المتضخمة" إنها تجمع صفات في "توليفة" من ثلاث شخصيات مختلفة هي: النرجسية والتسلطية والاحتوائية. فهي تأخذ من الشخصية النرجسية حاجتها القسرية إلى الإعجاب..أي إنها تريد من الآخرين أن يعجبوا بها بالصورة التي هي تريدها، وأن لا يتوقفوا عن المديح والإطراء،ويسعى صاحبها الى ان يكون بطلا بعيون جماعته. وتأخذ أيضا من خلال التظاهر بامتلاكه قدرات فريدة. 
3. عقدة التعصّب لــ" الهوية ". 
يتداول السياسيون مفردة "الهوية" كما لو انهم يحملون عنها مفهوما مشتركا محددا وواضحا ، فيما يشير واقع الحال الى انهم يختلفون في دلالاتها ومعانيها،وما اذا كانت نوعا واحدا بانتماءات متعددة ام عدة انواع..وعليه ينبغي توضيح اربع حقائق: الاولى:ان هوية الشخص هي التي تحدد اهدافه وسلوكه، الثانية: ان الشخص يحمل اكثر من هوية في آن واحد:(عشائرية، مذهبية، دينية، وطنية)، الثالثة:في حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي تكون الهويات او الانتماءات الفرعية للهوية بحالة ركود في داخل الفرد، ويغلب على الجميع الشعور بالهوية الوطنية (الانتماء للوطن). الرابعة: حين يشعر الانسان بخطر فانه ينحّي كلّ هوياته ويتماهى "يتوحد" مع الهوية التي تتعرض الى التجريح او المظلومية.
كما تطرق صالح الى ان لكل فرد الحق في الاعتزاز بهويته القومية،الدينية،المذهبية..شرط ان لا يستعلي بها على الهويات الأخرى. والذي حصل بعد التغيير ان الشخصية السياسية العراقية فعّلت الهويات الفرعية بعملية سيكولوجية افضت الى تعصب قائم على تقسيم الناس الى مجموعتين ( نحن) و(هم)..جعل الجماعة التي في السلطة لا تتحسس معاناة الجماعة الأخرى ومظلوميتها ولا تستمع الى شكواها.ثم جرى تصعيد لهذا التعصب اوصله الى ما يصطلح عليه بصراع الهويات القاتلة..كان اقبحها (أخذ الثأر) بمفهوم قبلي تبين انه ما يزال له الدور الفاعل في بطش الآخر بالآخر في اوقات الأزمات وصراع الهويات.
الشخصية المثقّفة
كما تناول الباحث السايكلوجي ان معظم المثقفين الكبار لديهم تضخم في الأنا نتيجة تراكم الشعور بالظلم وكذلك شعورهم بالغرور، كما ان المثقف العراقي يمتاز باستخدامه لاسلوب مقنع عندما يحاور الآخر، ولديه نزعة عدوانية عندما ينتقد. سأرد بعض الحوادث التاريخية التي حصلت قبل وبعد سقوط النظام البعثي.
المداخلات 
س/ ألا تعتقد ان عدم التلاقي بين المثقف والسياسي يساهم في ابقاء الصراع قائماً في العراق؟
ج / انا اتحدث عن المثقف المنتمي للحقيقة فالمثقف يجب ان يكون نقده بناء وان لا يجامل. السياسي مهما كانت درجة القرب منه.
س/ ما هو تأثير البيئة الاجتماعية والوراثية على شخصية الفرد العراقي؟
ج / ان المواقف هي التي تؤثر على سلوك الافراد.
س / من يصنع العبودية السياسة ام الفرد؟
ج / الفرد خُلق حرا ولكن السياسة والمجتمع ساهما في ان يكون غير ذلك.
س/ هل الشخصية العراقية محبة للدكتاتورية؟
ج / نعم و لا ، فعندما يتم تحقيق مصالحها الخاصة في ظل وجود الشخصية الدكتاتورية ستكون محبة له والعكس صحيح.
س/ هل يمكن وصف السياسين العراقيين بالشيرزوفرينيين؟
ج/ بكل صراحة هذا الوصف لا ينطبق على الطبقة السياسية في العراق ،فالكثير منهم لديه تعصب طائفي ويقوم بالعزف على وتر الطائفية وهو الاقوى الآن.
س/ جورج وستن من الامم المتحدة. ماذا نفعل لكسر الحلقة المفرغة من العنف؟
ج/ في العراق الوضع خاص ،فالشعب لديه موروث قبلي لا يمكن التخلص منه بسهولة وعلينا ان نأتي بالشخصيات المستقلة التي تقوم بوضع ستراتيجية جديدة للقضاء على العنف وان تكون قضية مشتركة لجميع مؤسسات الدولة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

صحيفة عبرية: "إسرائيل" وأميركا يخشوّن أنصار الله كونها جهة يصعب التغلب عليها

الأنواء تحذر من رياح عالية في العراق

مقتل إعلامية لبنانية أمام المحكمة

لا حلول لـ"الشح".. العراق يلوح بـ"تدويل" أزمة المياه مع تركيا لزيادة حصصه

اعتقال قاضي المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا بسوريا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

عبد السلام الناصري.. الاختيار الصعب المحفوف بأشد المخاطر

مثقفون: غياب العراق عن المؤشر ليس بالمستغرب في ظل اضطراب الوضع السياسي الذي ألقى بظلاله على الثقافة

موسيقى الاحد: استطرادات لغوية

السرد: متخيلات وأقيسة

الفيلم العراقي (آخر السعاة): أفضل ممثل وأفضل سيناريو

مقالات ذات صلة

معضلة التعليم الكبرى.. المنهج والاختبارات
عام

معضلة التعليم الكبرى.. المنهج والاختبارات

سامّي رايت*ترجمة: لطفية الدليميتحدّد هذه معدلات الامتحانات النتيجة النهائية لسنوات عديدة من الدراسة التي تمّ اختزالُها في بضع ساعات امتحانية في قاعة للامتحان. لكن بالنسبة للأكثرية الغالبة من هؤلاء الشباب اليافعين فإنّهم ما أن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram