اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عن رواية "الهيئات المستقلة"

عن رواية "الهيئات المستقلة"

نشر في: 11 إبريل, 2015: 09:01 م

تعلمنا الصحافة كل يوم ان الحقائق ليست هي الضرورة الوحيدة دائما، صحيح ان تشريد ثلاثة ملايين عراقي في الخيام حقيقة، ومقتل عشرات الالاف منسوفين حقيقة دامغة، ودعاة الثار الطائفي على الفضائيات حقائق ساطعة، لكن معركة كسر العظم بين مشعان وأنيسه السابق صالح المطلك نوع من ادب الخيال، مثلها مثل عودة خالد العطية بثوب جديد وحج مبرور، أنا يا سادة أفضل وصف مشروع الهيئات المستقلة "بالخيال" حكاية دون كيشوت وحصانه الهزيل وحمار رفيقه سانشو، في كل مرة وانا استمع الى تصريحات ساستنا "الافاضل" اتجه بنظري الى رفوف الكتب لا بحث عن حكاية دون كيشوت وحصانه الهزيل وحمار رفيقه سانشو.
يخبرنا سارتر بان اعظم الكتب تلك التي نقرأها ونحن على حافة الحياة، نلوذ بها بعد ان يعم اليأس، كم من التأويلات يقبل دون كيشوت سيرفانتس، وكم من التأويلات تقبل مدينته "لامانتاشا" ساحة معاركه الخيالية، ان جرثومة البطولة الزائفة حين تناولها سيرفانتس كفت عن كونها مجرد خيالات واوهام، انها تبلع العقل وقد تفتك به، مثلما فتكت بالفارس الهمام دون كيشوت، وحين يعم الوهم يزحف الخراب على المدن والبشر، في القراءات المبكرة تثير دون كيشوت الرواية أسى عميقا على بطلها الذي توهم انه يستطيع ان يقيم مملكة الخيال كي يرضي قانونه الخاص، فيصر ان يترك وراءه القليل من الفعل والكثير من الضجيج، كان هتلر يقول: "اصبت بالغثيان وانا اقرأ دون كيشوت، كيف نستطيع ان نقود الامة بسيف من خشب"، فقائد الامة الالمانية يؤمن بان المدفعية والطائرات وحدها القادرة على بناء البلدان، الفورهر معجبا بشكسبير ويذكر كاتب سيرته انه ظل يقرأ الفصل الاخير من يوليوس قيصر كل ليلة ليتمعن في خصال بروتس فتراه كل صباح ينظر في وجوه مقربيه خوفا من ان يكون هناك بروتس اخر مندس بينهم.
يقول ماركيز ان كل روائي يضع شيئاً منه في بطله المتخيل، وفي حواره مع بيلينو مندوزا يجيب على سؤال يتعلق بالكولونيل اورليانو بطل مئة عام من العزلة بقوله: " لم أجرؤ على اماتة الكولونيل، كنت اعلم انه سيموت يوما ما في الرواية، وحين انتهت حياته صعدت الى الطابق العلوي وانا ارتجف، وادركت زوجتي ما حدث من مجرد النظر الى وجهي وقالت: اذن مات الكولونيل، هكذا يضع الكتاب العظام كل ذاتهم في روائعهم، كل تجارب الحياة، بأمالها ويأسها، ولهذا حاول سيرفانتس ان يعبث في الطرح، فقد كانت الحقيقة مرة دائماً، لان الشر لا يريد لخطواته ان تغادر الارض،، يحمل اسماء كثيرة، ويتخذ صفات عدة، لكن له غاية واحدة هي السخرية من طموح الناس البسطاء، وتطلعهم الى الخير والمحبة، وتصوير الداعين الى الالفة والتسامح على انهم مجانين، يحاربون طواحين الهواء.
في نهاية ملحمة سيرفانتس، يلعن فارس دي لامانتاشا الشهير بين العرب بدون كيشوت، حكايات الفروسية التي صدَّقها، والعالم المثالي الذي حلم به، لكنه مع كل ماجرى يريد ان يعيش حياة جديدة لااكاذيب فيها، فليكن لاصحاب الواقع والمناصب والباحثين عن لفلفة الهيئات المستقلة، والساعين الى تحويل مؤسسات الدولة الى اقطاعيات خاصة، فدون كيشوت العراقي لا يستطيع الخروج من عالمه الذي اجبر على العيش فيه، حيث الفساد هو نفسه الذي يُفتّت البلاد،. الفساد الذي يصر اصحابه ان يضعوا في مواقع السلطة آكلي ثروات البلاد وطمأنينة الناس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: الكهوف المظلمة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: 21 عاماً في محبة المدى

 علي حسين إسمحوا لصاحب هذا العمود أن يحتفل مع زملائه بدخول العام الحادي والعشرين لصحيفة (المدى)، وأن يعترف علنًا أنه لم يكن يعرف قواعد اللعبة الديمقراطية جيدًا، ولا يفهم أنظمتها الجديدة التي تشكلت...
علي حسين

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين

الـ (المدى).. رعاية استثنائية للثقافة العراقية

فاضل ثامر عندما بدأت جريدة المدى في الصدور، بعد الاحتلال وتحديدا في 5/8/2003، كنت ضمن كادر محرريها المحدود، حيث اتخذت لها مقراً متواضعاً في شارع فلسطين.. وبقيت أعمل في الجريدة تحت إشراف رئيس تحريرها...
فاضل ثامر

الـ (المدى).. أيقونة الصحافة العراقية

د.قاسم حسين صالح اوجع مفارقة بتاريخ العراقيين هي تلك التي حصلت في التاسع من نيسان 2003،ففيه كانوا قد حلموا بالافراح بنهاية الطغيان، فاذا به يتحول الى بوابة للفواجع والأحزان.فللمرة الأولى في تاريخهم يفرح العراقيون...
د.قاسم حسين صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram