عبر التاريخ لم تدم الاعراف والتقاليد الفنية التي يتفق عليها المبدعون والمتلقون مدة طويلة من الزمن حتى يجد العاملون في حقول الفن المختلفة ان الضرورة تستدعي استحداث تقاليد واعراف جديدة تناسب حاجات العصر التي تغيرت. وحتى بداية القرن التاسع عشر والى النصف الاخير منه كان لكل من الادب المسرحي والعرض المسرحي اسلوبه الخاص والذي نسميه (الطراز) . ولكن بعد ان حدثت الثورة الصناعية وانتقل المجتمع من الريفية الى الحضرية، وانتقل الانتاج الصناعي من العمل اليدوي الى المعمل الآلي وحلت مجتمعات بشرية جديدة استلزمت متطلبات حياتية جديدة وظهور وعي جديد بمحركات المجتمع وعلاقات افراده بعيداً عن الغيبيات وتلمساً للواقع، كان لابد من احلال تقاليد واعراف جديدة بما يخص فن المسرح تكون اقرب الى تقبل الجمهور، وظهرت مظاهر تلك الاعراف في كتابة المسرحية اولاً حيث لمست المسرحيات الواقع الحياتي للناس وعلاقات افرادهم ببعضهم لا مع شخوص ابعد ما يكونون عنهم سواء أكانوا من الابطال أومن الآلهة، ومن حيث الشكل والاسلوب اقتربت المسرحيات الواقعية في بناء شخوصها واحداثها من محيط اقناع المتفرج وخصوصاً عندما استخدمت النثر في الحوار كما في الحياة اليومية، ولم يستقر العاملون على الواقعية مدة طويلة اذ سرعان ما راحوا يبحثون عن اتجاهات واساليب جديدة في الفن المسرحي وجدوها في الرمزية والتعبيرية وفروعها الروائية والمستقبلية والسوريالية والتي اختلفت اعرافها تماماً عن اعراف الواقعية وما قبلها وراح المسرحيون الجدد يتوغلون في اعماق النفس البشرية في لا وعي الانسان ويخمنون محتوياته التي قد تظهر في الاحلام والكوابيس.
كان لابد للمخرجين ايضاً ان يغيروا من ادائهم تجاه الانتاج المسرحي وحتى ما يخص المسرح القديم . وهكذا تنوعت رؤاهم عند اخراجهم لمسرحية شكسبير (هاملت)، فمنهم من اعتبر احداثها تقع في غرفة استقبال معاصرة ومنهم من اعتبر العلاقات بين شخوصها خاضعة للشذوذ الجنسي ومنهم من تعامل معها كما لو انها احتوت عقدة اوديب ومنهم من تناول انفصام الشخصية موضوعاً رئيساً لها، فهناك (هاملت) المصمم وهناك الآخر المتمرد، وهناك الأم الحنون والاخرى الخائنة، وافترضت انا شخصياً بأن احداثها تقع في احد سواحل الجزيرة العربية في زمن سابق.
واذا كان مؤلفو المسرحيات القديمة قد فارقوا الحياة ولا امكانية لاعتراضهم على ما يفعله المخرجون بانتاجهم الادبي فإن مؤلفي المسرحيات الحديثة الأحياء غالباً ما يعترضون على ما يجريه بعض المخرجين من تحويرات ومن حذوفات في نصوصهم الاصلية. وهذا ما حدث للكاتب الانكليزي المشهور (هارولد بنتر) حيث قام المخرج الايطالي (فيسكونتي) باخراج احدى مسرحياته واجرى فيها تغييرات كثيرة، فما كان منه الا ان ينكر ان المسرحية تعود له.
لم يقتصر التعدد في الرؤى الاخراجية للمسرحيات القديمة بل تعداه الى تعدد رؤى المؤلفين الجدد والنظر الى موضوعاتها نظرة تناسب عصرهم ، فمسرحية الاغريقي سوفوكليس (انتيغونا) عام 410 قبل الميلاد اعاد تأليف مثيلتها الكاتب الفرنسي الحديث (جاك انوي) عام 1943 وكذلك فعل الكاتب الفرنسي الآخر (جان كوكتو) وبنسخة سوريالية عام 1932، وفي عام 1916 كتب الالماني (والتر هاسنكلفر) مسرحية بالعنوان نفسه يعبر فيها عن رفضه للحرب وتأييده للحب بين البشرية وهو الطريق الوحيد للسعادة والتي لاتتحقق الا باسقاط الظلم والدكتاتورية واحلال الديمقراطية الحقيقية محلها.
الحداثة والرؤية المسرحية
[post-views]
نشر في: 13 إبريل, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...