اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بين جنازتين

بين جنازتين

نشر في: 13 إبريل, 2015: 09:01 م

لا تصدقوا أن الحكومة مشغولة أصلا بالإبداع والثقافة، يكفينا إصرارها على أن تعتبر دعم الكتاب والمسرح والسينما نوعا من " البطر"، ولا تصدقوا أننا في حكومة مدنية تسعى لإشاعة ثقافة التنوير والعدالة الاجتماعية والتسامح في الضد من ثقافة الكراهية والمحاصصة والطائفية المقيتة، بل نحن نعيش مرحلة التوازن حتى في اقامة مجالس العزاء ؟
بالامس وأنا أجلس امام شاشة التلفزيون اتابع التشييع الرمزي الذي اقامته دائرة السينما والمسرح للراحل الكبير خليل شوقي ، كنت أنظر في الوجوه القليلة التي حضرت التشييع ، لأبحث من بينها عن سياسيي الميكرفونات فلم أجد أحدا منهم. مثلما لم أجد أثرا لهم ، أنظر إلى وجوه المشيعين وأتذكر خطب الساسة الذين ارادوا ان يوهمونا بأنهم منشغلون بأحوال الثقافة والمثقفين ، وقد كنت مثل غيري من العراقيين ارى كيف تتقاطر الوفود السياسية والحزبية والعشائرية ، لو ان المتوفي ينتمي الى حزب سياسي ، او تربطه صلة قرابة باحدى الشخصيات النافذة، اما الصحف فان صفحاتها تمتلئ باعلانات التعزية ، والتأسي لهذا الفقدان الكبير، ونسمع عن أفواج الحمايات التي تقطع الطرق والجسور من اجل أن يحضر "معاليه" وفخامته الى مجلس عزاء لسياسي او رجل دين .
بالامس خرجت المستشارة الألمانية ميركل على الصحفيين دامعة العينين وهي تنعى رحيل الكاتب غونتر غراس معلنة ان المانيا اليوم تشعر بالحزن والاسى لهذا النبأ، فيما قررت الحكومة ان تنكس الاعلام على الدوائر الرسمية وعلى قبة البرلمان.
كنت أعتقد أن أقدام ساستنا ومسؤولينا وبصحبتهم عدد من "منتفعي" السياسة، ستحث الخطى لتشارك في تشييع واحد من ابرز معاني العراق، لنصدق انهم مشغولون حقا بالمبدعين، وانهم يؤمنون بأن بناء البلاد لا يتأتى من خطب وشعارات طائفية، وإنما من ثقافة وطنية ، كان خليل شوقي واحدا ممن رسخوا جذورها في العراق.. وانتظرت أن أقرأ في صحف الصباح، ان قادة البلاد اصروا على اقامة تشييع رسمي وشعبي يليق بمكانة هذا الفنان والمثقف الوطني في نفوس ووجدان العراقيين.
كان خليل شوقي مغرما بما يقدمه للناس ، يعتقد ان الفن والثقافة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، و مجتمعاً امناً لا تقيد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة... ديمقراطية، تنحاز للمواطن لا للطائفة، وتنحاز للبلاد لا للحزب والعشيرة. عاش خليل شوقي أسير أحلامه، متنقلا في المسرح والتلفزيون ، من " النخلة والجيران " الى "كان يا ما كان"، ومن "المدينة وذئابها" الى "الضامئون "، لينتهي غريبا يئن على بلاد تنكر أبناءها لانهم لايمارسون الخديعة، ولا يحملون صور قادة دول الجوار، ولا يهتفون في الساحات "بعد ما ننطيها".
أكاد أسمع صوت خليل شوقي الآن يسخر من الرافضين لتكريمه ميتا، ويقول إن خطوات أقطعها في شوارع بغداد، أو لحظة فرح اقتنصها من على خشبة مسرح بغداد ، بألف جنازة مما تعدون لاصحابكم واحبابكم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. mata

    لكم كل التقدير بما تكتبونه هل تعلم بان غونتر غراس يساري وميركل يميني ومن ععائله متدينه

  2. ام رشا

    رحم الله خليل شوقي الفنان الأصيل الملتزم الذي علمنا هو ورفاقه يوسف العاني وقاسم محمد وإبراهيم جلال وزينب وازادوهي صامويل تذوق الفن الجميل الهادف والراقي في احلك الظروف واحسنها ،وسنبقى نتحسر على أيام مسرحيات 6 دراهم وحرمل وحبة سودة و بغداد الأزل والنخلة

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: الكهوف المظلمة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: 21 عاماً في محبة المدى

 علي حسين إسمحوا لصاحب هذا العمود أن يحتفل مع زملائه بدخول العام الحادي والعشرين لصحيفة (المدى)، وأن يعترف علنًا أنه لم يكن يعرف قواعد اللعبة الديمقراطية جيدًا، ولا يفهم أنظمتها الجديدة التي تشكلت...
علي حسين

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين

الـ (المدى).. رعاية استثنائية للثقافة العراقية

فاضل ثامر عندما بدأت جريدة المدى في الصدور، بعد الاحتلال وتحديدا في 5/8/2003، كنت ضمن كادر محرريها المحدود، حيث اتخذت لها مقراً متواضعاً في شارع فلسطين.. وبقيت أعمل في الجريدة تحت إشراف رئيس تحريرها...
فاضل ثامر

الـ (المدى).. أيقونة الصحافة العراقية

د.قاسم حسين صالح اوجع مفارقة بتاريخ العراقيين هي تلك التي حصلت في التاسع من نيسان 2003،ففيه كانوا قد حلموا بالافراح بنهاية الطغيان، فاذا به يتحول الى بوابة للفواجع والأحزان.فللمرة الأولى في تاريخهم يفرح العراقيون...
د.قاسم حسين صالح
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram