2-5
تخيلوا: الرحلة الفاشلة التي تحدثت عنها إلى مدينة فورت ميد، حيث تمت محاكمة جندي المارينز برادلي مانينغ، الذي سلم من مكتبه في بغداد الوثائق إلى ويكيلكس، وحكم بسببها 35 عاماً، الرحلة هذه تمت يوم 12/13 كانون الاول 2014. في اليوم التالي، في الشقة 5 أف في شارع 25 في مانهاتن، علمت بقرار لجنة التحكيم، فكيف لا أصبح عاجزاً عن النطق؟ الأكثر دهشة،أنني بعد ساعتين سألتقي بآني كَليمين، سيدة عجوزهي الأخرى لها قصتها التي ستتقاطع مع قصتي، السيدة هذه التي شُحنت في 13 مايو/آيار 1939 ولها من العمر 14 عاماً، مع أطفال يهود آخرين من محطة ويستبانهوف في فيننا إلى لندن، في عمليات الإنقاذ الأخيرة، لتفر بجلدها بهذا الشكل من موت محتم في أحد معسكرات الاعتقال النازية، كما حصل لعائلتها. في ذلك اليوم رأت أمها وأباها للمرة الأخيرة. آني التي ربطتها صداقة مع والدة رفيقة رحلتي والتي احتفلت للتو بميلادها التسعين، ستقول فخراً أنها نشطة في مجال حقوق الإنسان وعندها قضية واحدة: تحرير سجينة مقطوعة عن العالم تماماً في سجن انفرادي، لا كومبيوتر، لا راديو، لا صحف ولا تلفزيون، رسائلها يقرر مصيرها الرقيب، يُسمح لها بمغادرة الزنزانة مرتين أسبوعياً ولمدة ساعتين، اسمها تشيلسي مانينغ أو ما شابه تقول، ثم تعرض ونحن نجلس في مانهاتن في مطعم "إل بوستو: أفينو 2 زاوية شارع 18 " ملفات تطالب بإلحرية لمانينغ، لا تعرف أن من يصغي لها ويبتسم، ويردد مع نفسه، "قصص متداخلة" أخرى، هوليس غير صاحب رواية حصلت قبل ساعتين من لقائنا على جائزة كرايسكي، وأنها اصلاً أوماج عن سجينتها، الرجل سابقاً والمرأة حاضراً التي تناضل لإطلاق سراحها، فأية مصادفة؟
أيها السيدات والسادة، منذ اللحظة التي سطعت فيها شمس كرايسكي في ذلك اليوم المشمس من كانون الاول، على واجهات العمارات وسطوح البيوت في نيويورك، وأنا أفكر، ترى ما الذي يجمعني بهذا الرجل، لكي تأتي جائزته بهذا التوقيت؟ نعم،حياتي هي مجموعة تقاطعات، إذا تحاشينا على خطى موزيل، كلمة صدفة، لكن اية"تقاطعات" تجمعني بقامة كبيرة مثل كرايسكي؟
بعد معرفة الجائزة، بعد الابتهاج، الفرحة والاضطراب، بعد وداعنا للسيدة آني، وتسليمها رسالة للسجينة مانينغ كتبتها لها في المطعم، أخبرها أنها ليست وحيدة، وأن عراقياً كتب رواية حملت اسمها، وأن الرواية توجت بجائزة حملت اسم رجل كان من أولوياته السلام، جئت إلى نفسي تدريجياً، وبدأت أجمع المعلومات لتكوين صورة شاملة عن كرايسكي. طبعاً عرفت الرجل، وهل هناك أحد من جيلي لم يعرفه؟ هو الوسيط الدائم في الصراع العربي الإسرائيلي، صديق الفسلطينيين، أول دعاة حل الصراع على أساس دولتين، إسرائيلية وأخرى فلسطينية، تعترفان ببعض وتتعايشان بسلام، أعرف أنها يوتوبيا، لكنها قوة اليوتوبيا التي حولته إلى رمز سلام مفقود، في منطقتنا يولد المرء وتولد معه قصة الصراع هذا، مع حبل الولادة.لكنني أردت أن أكون عنه صورة شاملة، في شبابه أيضاً فأنا عرفته وهو كانتسلير، عمره ستون عاماً، وكان أول ما لفت نظري في بحثي، هو اعتقاله عام 1936 بسبب نشاطه السياسي ضد حكومته الفاشية، كان عمره 25 عاماً عندما سُجن لمدة عام. أحاول تشكيل صورة عنه في السجن، وقبلهاوهو اصغر سناً، ناشطاً سياسياً في الثانوية. وبدل أن أفكر بنفسي، أنا الذي بدأت نشاطي ضد حكومة قوموية فاشية، في الثانوية، خطرت على بالي أولاً صورة شاب آخر، هانز شول الذي كان عمره 23 عاماً عندما اعتقلوه. شابان شجاعان قاوما الديكتاتورية.
يتبع
( نص الكلمة التي ألقاها الكاتب باللغة الألمانية، بمناسبة تسلمه "جائزة برونو كرايسكي" العالمية للكتاب لعام 2014، عن روايته «بغداد مارلبورو»، في قصر بلدية فيينا في 9 آذار 2015. )