للوهلة الأولى تعجبتُ وأنا أقرأ وأستمع الى تصريحات وتعليقات تنتقد رئيس الوزراء عن قراره بإحالة 300 ضابط على التقاعد، فخطوة كهذه انتظرناها ما يزيد عن ستة أشهر، منذ تشكيل حكومة السيد العبادي، ومجموع التصريحات والكتابات المطالبة العبادي بإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية يؤلف مجلداً ضخماً بعدة أجزاء.
حتى قبل حدوث نكبة العاشر من حزيران 2014 (سقوط نحو ثلث مساحة البلاد في أيدي داعش من دون مقاومة)، كان العشرات من السياسيين والخبراء العسكريين والأمنيين والكتّاب ينصحون بإعادة الهيكلة هذه ويحذّرون من ان المؤسسة العسكرية والأمنية قد ضربها الفساد الإداري والمالي، والفساد السياسي أيضاً، وانها ليست المؤسسة التي يُمكنها أن تنهض بمهماتها وواجباتها الوطنية، لأنها ليست مستندة الى أسس مهنية ووطنية كما يُفترض.
وعندما وقعت واقعة العاشر من حزيران الصادمة والمهينة، صار المطالبون بإعادة الهيكلة يُعدّون بالمئات. وإذ مرّت عدة أشهر على تشكيل الحكومة انتقد بعضنا رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، عن "تأخّره" في المباشرة بإعادة الهيكلة والإقدام على خطوات وقرارات شجاعة وحتى "مؤلمة" في هذا الشأن.
والآن إذ يتخذ السيد العبادي الخطوة الصحيحة المُنتظرة، يرفع البعض صوته بان هذا القرار غير موفق أو غير صحيح أو خاطئ أو ان توقيته غير ملائم، والحجة المقدّمة اننا في حال حرب! ومن المفترض ان حال الحرب هي الأكثر ملائمة لإعادة الهيكلة لأنه من غير المعقول أن يُبقي القائد العام للقوات المسلحة في الخدمة القيادات العسكرية والأمنية نفسها المسؤولة، بهذا القدر أو ذاك، عن نكبة العاشر من حزيران.
سرّ الموقف المناهض لرئيس الوزراء في قراره ربما نجده في ما كشفه مصدر أمني من ان أغلبية الضباط الذين أحالهم السيد العبادي على التقاعد هم ممن يُعرفون بـ "ضباط الدمج"، أي الضباط غير المسلكيين أو غير النظاميين (طريق الشعب أمس).
"ضباط الدمج" هم في الغالب ضباط حزبيون كانوا ضمن التشكيلات العسكرية لقوى المعارضة في عهد النظام السابق ممن أُلحقوا بالمؤسسة العسكرية والأمنية، إكراماً لهم وتقديراً لنضالهم السابق أو لتأمين نفوذ سياسي لأحزابهم في المؤسسة العسكرية والأمنية، وربما كان الإجراء الأوفق هو إعادة تأهيلهم أكاديمياً ليأخذوا دورهم في المؤسسة النظامية أو أن يُعاملوا بوصفهم محاربين قدامى.
أخشى أن يكون سرّ الحملة على قرار العبادي كامناً في هذا، أي ان المعترضين قد راعوا في موقفهم المصالح الحزبية، وحتى الشخصية، وقدّموها على المصلحة الوطنية التي اقتضت منذ سنوات مكافحة ظواهر الترهل والفضائية وعدم الكفاءة في المؤسسة العسكرية والأمنية، بل في كل مؤسسات الدولة. ولو كان هذا قد حصل منذ سنوات ما كنّا، على الأرجح، قد واجهنا نكبة العاشر من حزيران وعواقبها الكارثية المستمرة حتى اليوم.
سرّ الاعتراض على قرار العبادي
[post-views]
نشر في: 14 إبريل, 2015: 09:01 م