شاركتُ أمس في اجتماع عقدته "الحملة الوطنية لدعم النازحين - 2015"، وهي هيئة شعبية مدنية بادرت إليها مجموعة من القوى الديمقراطية والمنظمات المدنية، والهدف منها المساعدة في حفظ حياة النازحين وصون كرامتهم الانسانية المهدورة من داعش وسائر قوى الإرهاب، وبأسف شديد من الدولة أيضاً.
محنة النازحين أكبر بما لا يقاس مما يُقال على ألسنة السياسيين، صنّاع هذه المحنة بامتياز، وأكبر مما يرويه النازحون أنفسهم، وأكبر مما يُعرض عبر وسائل الإعلام.. محنة لها جوانب عدة، فالغالبية الساحقة من الثلاثة ملايين نازح ( العدد يرتفع اليوم بعد الآخر) بلا مأوى مناسب، ومن وجد منهم مأوى يمكن اللوذ به ولو في صورة خيمة في البرية، بالكاد يحصل على لقمة الخبز، فالفاسدون والمفسدون يشاركونه في تخصيصاته من المعونة المالية الشحيحة المقررة من الحكومة، بل يستحوذون عليها بالكامل في الكثير من الحالات. ومن كان سعيد الحظ في الحصول على المأوى وعلى الفُتات التي تركها له الفاسدون والمفسدون من المعونة المالية، واجه مشاكل تتصل بالصحة البدنية والنفسية والتعليم وسواها.
المجتمعون أمس في مقر المجلس العراقي للسلم والتضامن، وأنا بينهم ممثلاً النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين، ليس في وسعهم تقديم حل لمشكلة ولو ألف عائلة من العائلات النازحة، فالشقّ كبير والرقعة صغيرة، كما يقال. انها محنة بحجم يتطلب تحرك الدولة برمتها، ودولتنا عاجزة، لأنها في الأساس دولة فاشلة، ومحنة النازحين، كما محنة اجتياح داعش لثلث مساحة البلاد من دون مقاومة من الجيش والشرطة، واحدة من العلامات الصارخة لهذا الفشل.
منذ أشهر حضرتُ في مدينة أربيل مؤتمراً حول جرائم داعش في حق المسيحيين والإيزيديين وسائر مكونات الشعب العراقي. وفي أحد الأيام مكّننا منظمو المؤتمر من زيارة ملجأ صغير للنازحين، هو مبنى غير مكتمل لسوق تجارية (مول) أوقف صاحبه العمل فيه ليؤوي بضع مئات من العائلات النازحة من مناطق احتلها داعش. كانت تلك العائلات محظوظة بوجود رجل أعمال من هذا النوع يمكنه أن يضحي بمصالحه الشخصية لدواع إنسانية... نحتاج الى المئات من أمثال رجل الاعمال هذا لنحلّ مشكلة جزء غير كبير من النازحين.. هل يوجد مثل هذا في بغداد مثلاً؟
في بلدان العالم الأخرى لا يُترك أمر العمل الخيري للحكومة، بل ان المجتمع هو الذي يتولى بنفسه الجزء الأعظم من هذا العمل .. التبرع لإغاثة المحتاجين داخل البلاد وخارجها عادة من العادات الاجتماعية المتوارثة والمتأصلة، يتعلمها الفرد ليس فقط في بيته وعبر الاذاعة والتلفزيون وانما في المدرسة على وجه الخصوص.
نحتاج الى مناهج دراسية وبرامج اجتماعية وإعلامية تُعلّي من شأن العمل الخيري .. بهذا الاسلوب فقط يمكننا أن نضع الأساس لحل مشكلة النازحين على المدى البعيد، أما نازحو اليوم فلا أحد لهم .. بكل أسف!