TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رصاصٌ غيرُ ممتنعٍ جَسور

رصاصٌ غيرُ ممتنعٍ جَسور

نشر في: 18 إبريل, 2015: 09:01 م

اعتدتُ ان اترك فراشي باكراً، كل فجر، انا مجنون النور والفراشات واجنحة العصافير القصيرة، أقف على ضفة الجدول الذي انحسر الماءُ عنه، وطفت مويجاته ناعمة، تحتمي بالقصب والظلال، أفكر بالنازلين على جسر في الرمادي، وهم يزدحمون عليه، فارّين من رصاص، كثيرا ما راح يعبر الضفتين، طائشا وغير طائش. يهاتفني أحدهم، ممن ترعبهم الخراطيش الفارغة، ليقول لي بان أحد أصدقائنا، الذي يسكن قرية نائية بأبي الخصيب، قتل أمس برصاص مجهول، اتحسس صوت الرصاصة قرب عنقي، فيأتيني في هيئة جرح عميق. تقول فيروز من مذياع الترانستور الصغير: يا هوى يا زهرة المساكين، هل كان العشق زهورا على قبور القتلى المجهولين، عُشّاقاً ومعشوقين. تنزلق دمعة حارة على خدي، اكاد اخفي حزني في ورقة على الطاولة. يقول لي ضابط في الشرطة: بانه غير قادر على منع الرصاصات من الوصول إلى صدور كثيرين في المدينة.
ينحسر هواء الغرفة، فاستعين بالفضاء مَباءة، وأستجير بزهر الرمان الصارخ حمرة، لوناً ناريّا اوازن فيه اضطراب أنفاسي، التقط صورة لقميصي الذي أنا فيها فيبدو اللون الأحمر زجاجيا شفافا، الاحمر على القميص الابيض لا يني ينقسم قسمين، الفرح والحزن معاً في لونين قد يتباينان في لحظة واحدة. هذا يوم يأتي على غير عادة الايام، الرصاص يقمع بهجة احساسنا بالصباحات الربيعية، وصورة الموت في البلاد لا تنفك تنهش ما ظل من صور البهجة في الروح. يكتب الصديق، الشاعر حامد الراوي معلقاً على صورة الهاربين من اهل الرمادي تجاه العدم: "الشهم لا يشمت". هل في الأمر من شماتة يا ترى؟ أيشمت احدنا بمن ترك دياره وفرَّ بجلده مع أطفاله ونسائه؟ أقول هذا، واسأل نفسي المرعوبة من الخراطيش الفارغة، هل أذهب لمجلس عزاء صديقنا المقتول قرب الجسر في باب سليمان؟ ومن أي باب سأدخل، هل اتفرس في الوجوه جميعها، لأطمئن نفسي بان الذي خلف السيارة البعيدة، تلك، لن يشهر مسدسا بوجهي، هل أصطحب، مستعينا بالضابط الذي قال لي بانه غير قادر على منع الرصاصات من الوصول الى صدور كثيرين في المدينة؟؟
كان سعدي يوسف يقول: بلاد بين نهرين، بلاد بين سيفين. لا يا سيدي الاخضر، يا ابن يوسف. البلاد أضحت بين سيوف لا تحصى، والنهران الماءان، الدجلتان، الفراتان أصبحا انهارا من دم ورعب ومتاهات. ما يسكننا لا يسكن احداً سوانا. الغرباء الحيارى نحن، والمقتولون بسيوف اهلينا نحن، والشامتون بيننا ومنا، والرصاص عراقي بامتياز، متاح للجميع، كل صدر عراقي مشروع طائفي للموت، كل جسر بنيناه لعبورنا بالأمس نزدحم على ممراته اليوم، هاربين من قاتلينا الى قتلانا، فامسك عليك قصائدك، لا نريدك مقتولا معنا، لا نريدك قاتلا لنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. متابع

    ابكيتني ايها البصري الحزين

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram