اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من عنكاوة الى الرمادي.. العزلة والشكوك

من عنكاوة الى الرمادي.. العزلة والشكوك

نشر في: 18 إبريل, 2015: 09:01 م

منذ سنوات ومدينة عنكاوة التاريخية على اطراف اربيل، تشيع في نفوسنا الامل كلما زرناها. ففيها مشهد تحضر وتمدن نادر، بشوارع نظيفة وارواح يملؤها الشعور بالسلام، وهي اذ تمتلك هوية اكثر مسيحيي المنطقة التصاقا بالتاريخ الثقافي، فهي ايضا مكان يفتح ذراعيه لكل الناس، دونما كلفة. واقول للاصدقاء دوما ان اكبر امنياتي هو ان اجد العراق يشبه السلام والتمدن العميقين كما نلمس في عنكاوة. وقد ترجمت هذه الميزة على ارض الواقع من خلال رؤيتنا للاوربيين والاسيويين، كما العرب والايرانيين والاتراك، وهم يتجولون في شوارعها بأمان تام حتى بعد منتصف الليل، في مشهد يندر ان يحصل هذه الايام في معظم مدن الشرق الاوسط التاريخية.
وحين فجر الانتحاري نفسه عصر الجمعة، في الشارع القديم بعنكاوة، كنت انظر الى سحابة الدخان الاسود، من مكان قريب صادف انني فيه، وأشعر ان المستهدف ليس هو القنصلية الاميركية المحصنة بين الازقة، ولا مركز الشرطة عند ناصية الشارع، ولا مجرد المقاهي التي يرتادها رجال الاعمال والصحفيون، بل كل ما يرمز اليه هذا الشارع، من رغبة العراق في الخروج من العزلة، واشاعة السلام الذي يعني مد يد التعاون والشراكة مع الدنيا، فالشعب المتصالح مع العالم والمتواصل مع العالم، لا يمكن قمعه ولا مصادرة عقله، بينما الشعوب المعزولة يسهل قتلها بصمت والضحك عليها والتلاعب بمقدراتها، وهذا ما يريده كل فكر متشدد كالذي تمثله داعش واشباهها.
وفي الاطار نفسه لن اشعر بالملل وانا اكرر ان جمود الحوار السياسي هو الذي انتج المأساة الحالية في الرمادي. وان العاجزين عن دفع الحوار، من كل المكونات، يتحملون جزءا اعظم من المسؤولية عما يجري. ان الاقوام المتحضرة تعرف ما الذي يجب فعله حين نزول الكارثة، فتخفف خسائرها وتضع خططا لتدارك النوازل والبلايا. اما الاقوام المعزولة عن العالم، والتي تخاف من الحداثة في السياسة والحياة، فانها لا تستطيع تنظيم عقولها للامساك بحل. ومن المؤسف ان كثيرا من الجهات المؤثرة في المشهد، مشغولة على مدار الساعة في تكريس عزلتنا، واثبات اننا امة مختلفة يجب ان تواصل الشك بكل ما حولها. والعقل حين لا يسيطر على شكوكه سيعجز عن تحريك حوار مفيد ينتهي الى تسوية. وبينما ننهمك في الارتياب والتخوين واللعن، يشعر العالم بالاحباط من نهجنا في رؤية الاشياء، كما يظهر ألف مغتنم للفرص فيستغل انقسامنا هذا ويصنع حزاما من الكوارث من شأنه تخريب ما تبقى من الفرص المتوازنة.
واثناء جدال عابر حول بلايانا، ذكرتني صديقة بمثل فارسي قديم يقول "اذا ألقى المجنون حجرا في البئر، سيعجز مائة عاقل عن استخراجه"! وإذا كان لدينا ألف مجنون وعشرة آلاف حجر، فسنحتاج ١٠ ملايين عاقل للسيطرة على الموقف، لكن كيف والسياسات الطفولية تدفع ما تبقى من العقلاء الى الهرب او الانزواء او الاستقالة؟
وحين أستخدم تعبير "سياسات طفولية" فلكي اتجنب استخدام تعبيرات من قبيل "المتآمرين، والخونة، والرجعيين، والعملاء" وهي اوصاف قامت بتضليلنا وتأخير فهمنا للمشاكل العويصة. كلا، لم يكن الزعماء اشراراً، لا في العهود السابقة ولا في الوقت الراهن، ولم يكونوا عملاء بهذه البساطة، بل كانوا غارقين في فهم طفولي للتاريخ، وراحوا يلقون الاحجار في البئر، وبقينا حائرين بكمية العقلاء التي نحتاجها لتدارك الموقف، واذا لم نصحح ميزان الحكمة والشجاعة المتوازنة في البلاد، واذا لم نقم بالتطبيع مع العالم المتحضر والسيطرة على شكوكنا الكبيرة، فاننا جميعا لا محالة، خاسرون نازحون، مشردون نحو "لا مكان".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram