TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الروح الآشورية تنتصر... سلاماً هرمز رسام

الروح الآشورية تنتصر... سلاماً هرمز رسام

نشر في: 20 إبريل, 2015: 09:01 م

(2)

قبيل الشروع بكتابة هذا العمود نشر موقع البي بي سي خبراً سعيداً يدخل في صلب مقالي هذا وملخصه: إن مجموعة من علماء الآثار من جامعة مانشستر البريطانية تعمل في العراق وتتوصل إلى "اكتشافات مهمة" في الوقت الذي يهدم فيه تنظيم "داعش" مواقع آشورية تاريخية.
وقالت عالمة الآثار جين مون "إذا ظن المسلحون أنهم قادرون على محو التاريخ فنحن نساعد على ضمان عدم حدوث ذلك."
أتوقع ان هناك من يعترض قائلاً إن الآثاري هرمز رسام وضع موهبته وإخلاصه في خدمة مملكة صاحبة الجلالة، خصوصاً في إطار التنافس الآثاري (وغير الآثاري) بين الدول الكبرى، إذ كانت فرنسا في منافسة شديدة على الاستحواذ على كنوز الحضارات القديمة في شمال العراق، وهو اعتراض وجيه على وفق "الروح الوطنية" التي نحملها لبلادنا وثرواتها العامة، لكن هذه الروح لا تكفي عند استحقاقات الجهد العملي في التنقيب والصيانة إذ يقترب عمل الآثاري من جهد النحات، أو صائغ الذهب، وهو يستخرج الرقيمات والأواني والحفاظ عليها بعناية شديدة، ويعالجها كما الصائغ المهموم بنقش تحفه الذهبية وأحجاره الثمينة، ولكن أي خيار ملتبس يدفع الكثيرين منا إلى التأسية بأن وجود آثارنا في متاحف العالم خير من بقائها تحت الأرض وأبعد لها عن أيدي التكفيريين الذين يحطمونها بدوافع دينية متوحشة، خاصة بهم، وجهلهم لقيمتها العظيمة.. كلنا نعرف، بأسى، ما جرى للمتحف العراقي ببغداد، على أيدي مواطنينا، وما زلنا نرى بعض آثارنا الأكثر حداثة مثل المدرسة المستنصرية العباسية، بل الأقرب جدا: شارع الرشيد وهي تعاني الهرم والوحشة، حيث لا نفع من "الروح الوطنية" شعاراً صاخباً بلا خطوة عملية ملموسة لإعادة الحياة لها والتمتع بها كمعالم بغدادية تمثل هوية المدينة ووجه العاصمة المشرق.
"في كانون الأول/ ديسمبر عام 1853، أي بعد نحو أسبوع من أعمال الحفر، انهار جزء ضخم من الأرض وسمع رسام رجاله يصرخون: صور!".
إنها صور حياة الآشوريين والبابليين في أبهى حقبها المزدهرة تلمع، رغم التراب، تحت شمس عراقية لاهبة أو تحت قمر موصلي زاهٍ، بينما يمتد نبض القلوب إلى الأيدي وهي تكتشف البهجة.
"يقول جون كيرتيس، رئيس المعهد البريطاني لدراسة العراق، إنه فن آسر وعالي الجودة، فالمشاهد التي تصور مطاردة أسد في سهول وادي الرافدين وحيوانات تصاب بسهام الملك مشاهد مفعمة بالدراما على نحو يفوق جميع النقوش التي عثر عليها سابقاً في منطقة الشرق الأوسط".
إن القيمة الفنية التي تركها الفنانون السومريون والآشوريون والبابليون في منحوتاتهم، سواء في الجرار البسيطة أوالبورتريهات المتقنة لوجوه النساء والرجال، الملكات أو الآلهة، تخبرنا أي خيال خصب كان عليه الفنان القديم وأية "مشاهد مفعمة بالدراما" كما قال كيرتيس، في المنحوتات التي تستبطن الحركة من أعمال بناء أو صيد أو شق قناة أو معركة حربية أو ما وصلنا من نصوص شعرية أخاذة في الحب والخمر ومقصورة مردوخ وهو يطل على نهر الفرات وأبسو رمز المياه العذبة في الجنوب السومري وأعظم عمل أدبي في العالم هو أسطورة جلجامش، وسائر ظهورات الوجود الأول.
لم تنته السيرة الذاتية لرسام كما يليق به، حتى في الدولة الكبرى التي خدمها، بريطانيا، فقد تعرض لمظالم عدة، وعومل بعنصرية ومحي اسمه حتى من سجلات المتحف البريطاني، لكن صديقه القديم لايارد، هو الوحيد الذي ذكره بأمانة يستحقها، إذ كتب "إن رسام أحد أكثر الزملاء الذين عرفتهم شرفاً واستقامة ورجل لم يتم الاعتراف على الإطلاق بما قدمه من خدمات".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. حليمة

    ما الأشد إيلاما واحساسا بالقهر، ان ترى تاريخك وتراث بلدك يهدم وتمحى معالمه من الوجود فلا يبقى منه أثر في ذاكرة الشعوب، ام ان يأتي باحثون من خارج البلد، ينقبون عن المتبقي من اثاره، يستخرجونها، يعلون من قيمتها التي تنتهك على ايادي بعض أبناء البلد او المحسوب

  2. عواد ناصر

    ما قلته هو جوهر مقالي صديقتي حليمة. شكرًا لتعليقك.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram