لا اضيف جديدا اذا تحدثت عن حزن اهل الانبار ودموع اليأس التي بثتها محطات التلفزة عند المعبر قرب بغداد، لكن الاكثر ايلاما هو طريقة التشكيك التي تعاملت معها، من قبل ساسة وناشطين وحتى أناس عاديين. ولا شك ان كثيرا من الساسة ورجال الدين والوجهاء، والشباب المدني الشجاع، بادروا الى تخفيف غصة النازحين ومعاناتهم، كما فعلوا ذلك سابقا مع الايزيديين والمسيحيين والشبك واهل نينوى، لكننا كجماعات نسكن في هذه البلاد، علينا ان نتوقف كثيرا عند كمية القسوة التي نخزنها وتطغى على كلماتنا ومواقفنا في اللحظات الاكثر حساسية.
ويندر ان جرب شعب مثلنا، اللجوء الى الاساليب القاسية في حل مشاكله، واذا كانت بعض الامم قد نجحت في توفير استقرار قسري نتيجة استخدامها للقوة المفرطة وتجاهلها لأي رحمة، فاننا بشكل خاص لم نقطف من الغلظة وانعدام المرونة، سوى تواصل العصيان، ودائرة موت وثأر تتسع ككرة لهب ونار.
ولقد كتبنا متعاطفين مع احتجاجات الانبار قبل عامين، وتعاطف معها قادة وفاعلون من كل الاطراف، لكن ملاحظتنا الاساسية كانت تتعلق بكمية القسوة والتشدد في شعارات بعض من اصبحوا يومها لسان حال الاعتصامات. ولقد استفاد فريق نوري المالكي من زلات اللسان والاخطاء والغلظة في التعبير، ونجح في محو صورة الاحتجاج السلمي الضاغط سياسيا، وهيأ الظروف لظهور فعل مسلح انتهى باستقواء داعش.
وفي هذه الايام نجد انفسنا نقف بلا شك مع كل الاطراف التي تحارب داعش، لكننا نجد ان هذه القضية المشروعة والحاسمة، مهددة احيانا بأن تنقلب الى شيء اخر، بسبب قسوة منفلتة في الكلمات، وغلظة واضحة في المواقف، وانعدام للمرونة السياسية التي نحتاجها للامساك بالنصر، فنحن لسنا في مجرد معركة، نموت او نحيا، بل نحن مطالبون امام الدنيا بترميم تجربتنا السياسية، واثبات اننا قادرون على التعايش الداخلي في ظل تفاهمات عميقة ناضجة، كي يصدق العالم ان في وسع العراقيين التعايش مع جيرانهم وشركائهم الدوليين، والانشغال بالتنمية وتلافي ويلات الحروب الطويلة.
وهاهو نزوح اهل الرمادي يختبرنا مجددا، ليكشف قدرتنا على اصدار الاحكام القاسية واستخدام العبارات الغليظة، بحق عوائل ضعيفة فقدت كل شيء وراحت تبحث عن خلاص، مثل اي مدنيين في العالم تتحول شوارعهم ومناطقهم الى ساحة للمعركة وميدان للقنص.
لقد كان جزء من شعبنا بالغ الغلظة وهو يقول للنازحين: لماذا هربتم؟ كما كان بالغ الغلظة وهو يطلب منهم ان يقاتلوا دون ان نسأل انفسنا: لماذا تأخرنا في احتوائهم داخل جيش او حرس وطني او اي تشكيل اخر، معزز بتسليح ثقيل ليتمكنوا من مواجهة داعش، حالهم حال الحشد الشعبي والبيشمركة، المدعومين من اقوى جيوش العالم اليوم؟
وكما استفاد دعاة الحرب الحمقى في الحكومة السابقة، من خطاب الغلظة عند منصات الاعتصام، فان قسوتنا اليوم على اهل المحافظات الساخنة، هي امر يصب في صالح داعش، التي "تعرض خدماتها" كمنظمة مستعدة للثأر و"تصحيح ميزان القوى" وهي قادرة على التغرير بالاف الشباب الغاضب والناقم.
لقد كان اليأس والعجز مخيمين على هذه البلاد، مرات ومرات، وقد نجحنا في تلافي الكبوة مرات كثيرة، وكنا نحتج ونثور ونموت، ونعيش التغيير تلو الآخر، لكن هناك شيئاً لم يتغير تقريباً في كل تلك التجارب، وهو وجود عدد اكبر من اللازم، من ناقصي الحكمة، الذين يخربون الفرص أو يعطلونها، فيهلكون ويهلكوننا معهم.
ان ما ينقصنا هو تمرين كبير للانتقال من اخلاق التغلب والغلظة المكلفة، الى اخلاق التفاوض وضبط الحسابات بدقة. لنتحول من مجرد طامعين بدور تسلط بطولي، الى حكماء نهتدي اخيرا لطريقة تختتم بها الحروب.
غلظتنا نحن.. متى نحاكمها؟
[post-views]
نشر في: 20 إبريل, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
محمد توفيق
اتخذ مجلس محافظة بابل قراراً تاريخياً بالإجماع بمنع دخول الأنباريين من فئة اعمار 18 -50 سنة من دخول المحافظة وذلك لأسباب أمنية ، أو لحثهم للبقاء في محافظتهم والدفاع عنها، وبرر الناطق الرسمي أن المحافظة عادت لاتستوعب. لكن على مجلس المحافظة ألا يتصور اننا ا