وصف الفرد هيتشكوك من قبل زملاءه " إنه يعرف أنها مجرد إختصاص للمشاعر!" وكان رجلاً يعرف كثيراً جداً عن الانسان. وكشفت افلامه مخاوفنا جميعاً - يخيل لنا ان هناك هاوية تحت اقدامنا أو موت يتربص في قدح من الحليب قبل ان يأوى المرء الى فراشه ليلا، كما أضاف ال
وصف الفرد هيتشكوك من قبل زملاءه " إنه يعرف أنها مجرد إختصاص للمشاعر!" وكان رجلاً يعرف كثيراً جداً عن الانسان. وكشفت افلامه مخاوفنا جميعاً - يخيل لنا ان هناك هاوية تحت اقدامنا أو موت يتربص في قدح من الحليب قبل ان يأوى المرء الى فراشه ليلا، كما أضاف الى مخاوفنا - دش الحمام.
وأولئك الذين كتبوا عنه، لديهم سجل لحل الألغاز، لماذا هذه الأحداث، ولماذا نحس بالاستمتاع عندما نشاهد أفلام هيتشكوك ومنها على سبيل المثال : "الطيور"، "ظل من الشك"، "الشك، سايكو، والى آخر أفلامه ؟
ويجيب على هذه الاسئلة أحدث كتاب صدر عن هيتشكوك - بمختلف الطرق، ويجده الكاتب بيتر أكرويد، نوعاً من العلاج الفرودي. وهيتشكوك كان دائما، في نظر أكرويد، قضية فرويدية تحتاج العلاج وكان هيتشكوك يدفع دائماً اكواب الشاي بعد ان ينتهي منها، إذ أن ثقته المفترضة، كانت مخاوفه اشد من ان يتحملها، فهو عندما دفع الاكواب الفارغة جانباً، احس بالراحة لأنها قابلة للكسر ومخاوفه كانت اشد من تحلمها، لأنه كان يفترض أن الايمان قد أزالها عن نفسه.
ولد هيتشكوك كاثوليكيا، ويتحدث اكرويد مؤكداً عن أجواء "النسر الروحي" التي تتخلل جميع أفلامه. وينتهي فيلم "الدوامة" بظهور شبح راهبة، وهيتشكوك يتحدث باهتياج مع غريس كيللي عن ملابسها في فيلم "القبض على سارق" وكان هيتشكوك يعرف بطبيعة الحال انها سترتديه. ويقول عنه أكرويد انه كان مهتماً جداً بغريس كيللي وملابسها (وكان هيتشكوك بطبيعة الحال يعرف ان غريس ستتصرف كما لو كانت المجدلينة، وليس مثل العذراء ماري).
ويعتقد بعض النقاد ومنهم ميشيل وود، أن إخراج الافلام تخلق قلقاً سايكولوجياً وليس دينياً. فماذا يكون الأمر إن كانت بعض بطلات افلامه مثل ربيكا والشك، يتم براءتهما من الجريمة؟ فماذا لو كان الأمر قد تغير، كما كانت النهاية في الكتب التي قرأها هيتشكوك وهل أن شخصياته في فيلم "الطيور" قد هربوا حقاً، بعد الهجوم الأخير عليهم؟
وهل ان تعليقات هيتشكوك تشير الى ما يسميه دور "عالم مفهوم وجميل لمعلوماته غير المؤكدة؟!
إن الخوف في بعض الأحيان محير. ونظرتنا الى جميس ستيوارت في فيلم "دوار" بطولة جون ستيوارت ، فقد كان المتفرج يتابع مشاعر جيمس ستيوارت بخوف، حيث كنا، كمشاهدين، نسمع اصواتاً غامضة لا تعرفها.
إن الفزع قد يظلل ويتحول الى اهتياج غير واضح. ففي فيلم هيتشكوك الوثائقي عن معسكرات الاعتقال الذي ظهر في عام 1945 ، شبّ نار في المخيّم، واللهب يتصاعد وينتشر، وكأنه يتجانس مع مشاعر المشاهدين.
وفي ذلك المشهد، بدا هيتشكوك وكأنه يتجاوب مع مشاعر المشاهدين بتصاعد اللهب في كل مكان وعزا كل من وود وأكرويد تلك المشاهد الى مشاعره الشخصية. وقال وود: إن هيتشكوك وُلِد في شرق لندن، ولا يكمل الجملة. اما أكرويد فيتحدث برّقة عن طفولة هيتشكوك في ليتون ستون، ويجعلنا نشم روائحها، خاصة ان والده كان صاحب دكان لبيع الخضراوات، وعندما اصبح هيتشكوك أميركيا، يقارن مع جيمس ستيوارت في فيلم "الدوامة".
إن الفزع قد يغطي الهياج احياناً. ويقول وود، الأكاديمي المولود في لندن الذي امضى معظم سنوات حياته في اميركا من دون ان يحس بالحنين الى إنكلترا، وهو يعــد افلام هيتشكوك قبل الحرب، هو هجوم على انكلترا ومنها على سبيل المثال يشير بذلك الى عزلة بريطانيا. ومن تلك الافلام: "إختفاء السيدة" و"الرجل الذي يعرف كثيراً جداً، "والبلد القديم". ويعــد أكرويد هيتشكوك الاميركي، لندنياً في المنفى، في حين يجد وود ان هجرته كانت ضرورية، ليمر بتجارب جديدة، واصبح اكثر ثقة بنفسه، وبالتجارب التي مرّ عليها وتواصلها."
وكناقد أدبي، يغوص في اعماق الافلام التي يقول عنها "كونها اختبارات. وقد انتبه في فيلم استخدام مصطلح "المخابرات" في فيلم "رحلة سعيدة"، من افلام الدعاية خلال الحرب العالمية الثانية يدور حول التجسس، وصوّره هيتشكوك في فرنسا، ثم تمت ترجمته الى الانكليزية، وهو يتحدث عن كيفية الحرب، وفي رأيه (إن الحصول على الأسرار أمر مهم في الحرب". وقد تعلم هيتشكوك هذا التعبير من قصة من الكاتب الكاثوليكي، جيسترون يجد في أي رجل مشبوه، رجل تحريات. وأكرويد الروائي، هو افضل شخصية بالنسبة لهيتشكوك، وخاصة لعلاقاته الجنسية مع النساء يقول: يتحدث أكرويد عن نقطة ضعف هيتشكوك، كروائي، يجد ان الحبكة الروائية، افضل من اي عامل آخر، ويتساءل كُتـّاب السيناريو عن اللامنطق في أعمال هيتشكوك وعندما يسأله الممثلون عن الدافع في مشهد ما؟ يإجيبهم "إنه مرتبك". وانتبه فرانسوا تروفو ان هيتشكوك يحتاج الى ممثلين من النجوم - ما عدا غاري غرانت وجيمس ستيوارت - ويعود ذلك الى ان من يجلبهم الى العمل، سيعفيهم من العمل لاحقاً، وقبل ان يكملوا أدوارهم. وفي ما يخص هذا المجال، نجد جيمس ستيوارت وفي فيلمه "الرجل الذي يعرف كثيرا" عندما يقوم ستيوارت بدور طبيب. والخلاف بين هيتشكوك وأكرويد هو عدم الاتفاق حول المشاهد التي صوّرها هيتشكوك في سوق الخضار في كوفنت غاردن – لندن ، وكان التعليق عليها غير مناسب "يمكنك ان تشتري فاكهة شيطانية أو خضراوات مخيفة".
وكان الخلاف بين هيتشكوك وود حول ذلك، لأنه لم يكن لائقاً، وظهرت في مشاهد الدعاية للفيلم.
* كتاب: "الرجل الذي يعرف كثيراً" من تأليف بيتر أكرويد وقد تم توزيعه مؤخراً.
عن: الأوبزرفر