TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أفكر هنا برقصة فالس

أفكر هنا برقصة فالس

نشر في: 21 إبريل, 2015: 09:01 م

3-5

كان كرايسكي محظوظاً، لم تكن جيوش هتلر اكتسحت النمسا، وإلا للقي مصير شول وأخته، صوفي التي صغرته بثلاث سنوات: الإعدام بالمقصلة.ألم يكن عمري 23 عاماً عندما رموني في أقبية التعذيب في زنزانات حزب البعث وديكتاتور أراد تقليد هتلر، ديكتاتور رحل في النهاية غير مأسوف عليه؟ هانز شول مات. لكن كرايسكي الشاب والشاب والي ظلاعلى قيد الحياة. ذهبا إلى المنفى ليكافحا ضد الديكتاتورية. ليمنحا مواطنيهم المكبلين بالسلاسل صوتاً.كل رواياتي، كل قصصي المتداخلة كتبتها في المنفى، أرادت السلطة الديكتاتورية أن يكون المنفى نقمة، فتحول إلى حقل حراثة للإبداع، مشروع روائي مفتوح. أليس ذلك ما فعله كرايسكي أيضاً؟ المنفى كان له نشاطاً ورؤية لما ستكون عليه النمسا بدون ديكتاتور، ثمانية عشر عاماً بعد طرد النازيين تسلم وزارة الخارجية، وربع قرن بعد نهاية هتلر حقق حلمه: كانتسلير النمسا. السياسة مشروع، رؤية مفتوحة، أن يعمل من النمسا غير تلك التي كانت عليه. هل يُمكن تخيل النمسا اليوم بدون انجازات هذا المنفي الذي عاد محملاً بالآمال؟
لكن مهلاً، هل كرايسكي هو رجل سياسة وحسب؟ لا أظن ذلك، ولكي أوضح ما أعنيه، عليكم أن تصغوا لقصة متداخلة جديدة مني، ألم أحذكرهم؟
في روايته العظيمة "وقت للحياة ووقت للموت"، الصادرة عام 1954، يروي أحد المناضلين أيضاً من أجل السلام، الرجل الذي وضع الحجر الأساس عالمياً للأدب الحديث المضاد للحرب، الأوسنوبروكي، إبن "صلح فستفاليا" لعام 1648، الذي أنهى على حرب الثلاثين عاماً في الإمبراطورية الرومانية المقدسة (معظم الأراضي في المانيا اليوم) وحرب الثمانين عاماً بين أسبانيا وهولندا، أعني أريش ريمارك، يروي قصة أرنست غريبير، جندي عمره 23 عاماً يأتي بإجازة من الجبهة الشرقية إلى برلين في ربيع 1944. كانت السنة الأخيرة للحرب، وكان الخراب. حتى بيت أهله اختفى. بهذا الشكل يدور غريبير في برلين بلا هدف، حتى يلتقي صدفة بإليزابيث كروزه ، فتاة يهودية قتل الغستابو أهلها، هي الأخرى دارت تائهة وسط خرائب برلين. يقع الاثنان في حب بعضهما، وحدهما الخراب، فيقرران الزواج. ماذا؟ سيتساءل أحدهم، الحرب ما تزال طاحنة، وأنت، غريبيرليس لديك ما تفعله غير الزواج؟ نعم، بالضبط ذلك هو لبّ المسألة. تثبيت موقف. بثّ إشارات. القنابل تسقط على برلين. هتلر يجمع حاملي مشاعله الصبيان، الدمار وإرهاب سلطة دموية في كل مكان، وغريبير يريد الزواج؟ بيتر فايس، مناضل سلام آخر، عاصر الاثنين، ريمارك وكرايسكي، والذي بالتأكيد التقاه كرايسكي في منفاهما المشترك، السويد، سيطلق بلاشك على سلوك غريبير "أستيتيك المقاومة". وهو على حق. غريبر الذي كما هي حال جنديّ "في بغداد مارلبورو" دانييل بروكس، المحمل بالشعور بالذنب، يحاول العثور على جواب عند أستاذه السابق البروفسور بولمان،من هو المسؤول عن كل الدمار الذي لحق بألمانيا والألمان، من هو المذنب في الحرب المدمرة تلك؟ "الذنب"، يقول بولمان بصوت رقيق، "لا أحد يعرف، أين يبدأ الذنب وأين ينتهي ... والشراكة في الجريمة! من يعرف ماذا ذلك يعني؟ الله وحده"، وعندما يسأله، إذا كان عليه الالتحاق بالجبهة بعد انتهاء إجازته أم لا، ويكون بذلك مشاركاً بالجريمة؟ يجيبه: "ماذا أقول لك؟ أنها مسؤولية كبيرة. لا أستطيع إتخاذ القرار لك"، وعندما يسأله "هل يجب على كل واحد أن يقرر لنفسه؟"، يجيب بولمان، "أظن نعم. ماذا يكون غير ذلك؟"
يتبع

( نص الكلمة التي ألقاها الكاتب باللغة الألمانية، بمناسبة تسلمه "جائزة برونو كرايسكي" العالمية للكتاب لعام 2014، عن روايته «بغداد مارلبورو»، في قصر بلدية فيينا في 9 آذار 2015. )

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram