يقول المهتمون أن اول من استعمل مصطلح "خيانة المثقفين" هو المفكر الفرنسي جوليان باندا الذي وضعه عنوانا لكتابه في أواخر العشرينات من القرن الفائت. بعده بعقود استعاره نصا المفكر ادوارد سعيد ليصبح أيضا عنوانا لواحد من كتبه. قرأت الكتاب الأول قبل عشرين عاما تقريبا وتعلمت منه الكثير. صار واحدا من اهم المصادر التي تعينني في قراءة ردود الأفعال على ما اكتب. الخلاصة المهمة التي خرجت بها منه هي ان "خيانة" المثفف تختلف عن خيانة السياسي والعسكري او المسؤول. كل هؤلاء ربما أدوا قسَماً فتنعموا بمناصب وامتيازات ورواتب وربما بمكانة ما كانت تمر ببالهم ، فالخيانة هنا قد تعني حنثهم بالقسم او في سوء استخدام ما قبضوا من أجله. فكيف يكون المثقف خائنا وهو لم يوقّع تعهدا او يؤدي قسما؟ عند باندا، انه من يتنازل عن رسالته التي اختارها لنفسه طوعا ولم يفرضها عليه أحد. انها خيانة للذات. باختصار شديد يعد باندا المثقف خائنا حين ينصاع للرأي الجمعي السائد. وحين يخاف من الوحدة ويستوحشه طريق الحق ويشعر بالرعب لو وجد نفسه منبوذا من المجتمع الهائج فينساق مع القطعان التي يقودها التعصب ويغيب عنها العقل. ينتهي باندا الى تعريف المثقف الحقيقي بأنه الذي يكون على استعداد الى ان يحرق علنا او ان ينبذ من المجتمع تماما وان يبتعد عن دنيا المصالح والمناصب ابتعادا لا يقبل أدنى تنازل. ولهذه الأسباب يرجع باندا سبب قلة عدد المثقفين في العالم.
معادن المثقفين تنكشف اكثر في زمن الحروب وبالأخص العنصرية او الطائفية منها. فالمثقف الذي يخضع لقول "كن مع بلدك في الحرب حتى لو كان حاكمه دكتاتورا او مع طائفتك حتى لو كانت هي المعتدية"، خائن. ومن يصفق لمن يروّج الى أن الاحتكام الى رأي عينة عشوائية من عشرة مقاتلين، مثلا، أفضل من آراء كل المثقفين، خائن. وأقول خائن ليس بحكم القضاء او القانون بل بحسابات خيانة دوره ورسالته.
يجدر القول ان صدق المثقف مع ذاته، ليس سهلا. والنأي بكتاباته بعيدا عن الغضب السائد ربما أصعب. محزن ان تجد مثقفا أو أديبا آمن بالإنسان وبالجمال وكان كونيا في عطائه، واذا به يصاب برعب حدث رهيب فيرمي الراية ويحيل افضل ما فيه خرابا شاملا، بحسب هرمان هيسه.
خيانة المثقفين
[post-views]
نشر في: 22 إبريل, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
د عادل على
الصحفيون الاحرار والمنتقدين والشجعان مهمون في العالم الأول ويمثلون السلطه الرابعه القادرة حتى على اسقاط حكومه------وهناك صحفيون مرتبطون اما بالأحزاب او بالحكومه او الدين يعيشون على الإعلانات فهؤلاء يمشون في الخط الدى رسم لهم---اما نحن العراقيين كنا نعر