"البنفسج الاحمر" ، مسلسل في ثلاثين حلقة يغرف حكايته من جرح العراق ونهر حزنه الذي لم يتوقف عن التدفق يوما لالتقاط الانفاس ومعانقة فرح الغبش ولو للحظات تسرق من أيام نزفه المأزوم منذ ابتلاه المولى بقادة لاينظرون ابعد من وقع احذيتهم ولا يعملو
"البنفسج الاحمر" ، مسلسل في ثلاثين حلقة يغرف حكايته من جرح العراق ونهر حزنه الذي لم يتوقف عن التدفق يوما لالتقاط الانفاس ومعانقة فرح الغبش ولو للحظات تسرق من أيام نزفه المأزوم منذ ابتلاه المولى بقادة لاينظرون ابعد من وقع احذيتهم ولا يعملون الا من اجل ذواتهم . يتحدث المسلسل عن جيل فتح عينيه على غبرة حرب وصرخات موت وفجيعة فقدان وبالذات الحرب العراقية الايرانية من خلال صديقين هما حسن وجبار وكل واحد منهما يمثل توجهات وخصالاً ويتمثل قيماً وصفات ، فحسن أدمن الحرب فسكنته فهو لايغادرها لذا افقدته حسه الانساني بالعدالة والحق ,وجبار الذي ما زال يعيش ذاكرة الحب والامل والحلم بعالم اكثـر امنا وطمأنينه رغم الحرب الضارية التي تمور من حوله ,
والعمل خلال حلقاته الثلاثين يستعرض تاريخ مرحلة من المراحل السياسية في العراق حدود بدايتها الحرب العراقية الايرانية ومن ثم دخول الكويت وما آل اليه الحال من ضربات عسكرية لدول الحلفاء وحصار ضار انتهى باحتلال العراق من قبل امريكا وما تركه ذلك الاحتلال من كوارث ونكبات في البنى التحتية وفي البنى النفسية والاخلاقية للفرد العراقي من خلال تلك الشخصيات التي شكلت دائرة العلاقات وأساس الفعل الدرامي والمتمثله بحسن وجبار وغسان وعدنان ومن ثم المرأة التي لعبت دورا كبيرا في حياة بطلي المسلسل عامرة , ما جمع حسن وعامرة عشق الشباب الذي سرعان ما انفرط حين دخلت الغيرة والتنافس والشك ما ادى الى تحول الصديقين الى عدوين يتربص الواحد منهما بالاخر كي يرديه بفعل الحرب وما خلفته في نفسيهما , حسن انسان معوق بأنانيته وعبثيته وتمرده وجبار المعوق خرسا بعد سرقة صوته , بقي باحثا عن ثأره, المصالح وسلطة المال وانفلات الامن وضياع القيم خطوط درامية تحرك الشخوص وتتحرك معها في بلد غاب فيه القانون وانبرى العنف نابا سامة تطيح بالاسوياء لدى من استمرأ الحرام فبدل الاقنعة وادار اللعبة مع الكبار كي يعلو ، لكن القانون الاخلاقي لدى اخرين من القلة الصامده باق لايغيب لانه مغروس في اليقين ( لو خليت قلبت ) ولا نصر في الحروب فكلا الطرفين خاسر ولا نصر في الحياة ما بين جبار وحسن فكلاهما خاسران منذ انطلاقة الرصاصة الاولى من مكمنها حين اصبح القتل وسيلة للنجاة ,وحين يقع الاثنان لابد وان تتكشف خيوط اللعبة فيتداعى هيكل المصالح ويصبح الكل في قبضة القانون الحقيقي ولربما هو القانون الاخلاقي الوطني الذي يحاول من خلال اشخاص معدودين ان يحفظ ما بقي من خارطة وطن . في بوحه لولده عصام يتحدث حسن عن بغداد : (بغداد أحبها ..خربناها لبغداد احنه ..بس بعدها متحملتنه ..احبها مدينة جامعة صبر امهات العالم كله ..احنه لعبنا برحمها لعب ..مثل ما الاطفال يلعبون برحم امهاتهم .. لكن بغداد ما جهضت حتى احنه ما نموت بقت متفائله رغم كلشي ..وقف قطار فرحنا وبدل سكته يوم اللي انمله بالخاكي ..الحرب غيرت كلشي ) ولعل هذا الاعتراف يلخص الفكرة الكلية للمسلسل ,النص الدرامي كتب بدراية وحرفية في السيناريو وبناء المشهدية وتركيبتها في توزيع الافكار ونسج التحولات وخلق حالة التشويق والترقب والانتقال المفاجيء بالاحداث على خلاف التوقع وفي صياغة الافكار وتحريك الخطوط الدرامية وبناء الاحداث وتأجيج حالة الصراع والصدام المحتدم ما بين شخصيات تمثلت تنوعا وتركيبا في الكاركتر ، الاسقاط والتأويل قائم ما بين الماضي والحاضر فما الحاضر الا غرس الماضي ، اللغة حياتية احيانا شفيفة مشحونة ساخنة في احيان اخرى والحبكة متينة ومشدودة والحكاية متوزعة بين الشخصيات فليس ثمة محور واحد بل مجموعة من المحاور المتداخلة والمصطرعة، النص قائم في لعبته الدرامية على الفلاش باك الذي يتكرر في كل الحلقات واحيانا يكون متواجدا لاكثر من مرة في المشهد الواحد ويتداخل مع بعضه في مرات عديدة وترافق الشخصيات الرئيسة جبار وحسن وعامرة استرجاعات لاحداث وحوارات لمراحل مختلفه من تأريخ الشخصيات ولعل أساس العمل واهميته وحبكته تكمن في الماضي الذي تجسد على شكل فلاش باك فهو الذي منحنا الصورة الكاملة عن طبيعة العلاقات ما بين ابطال المسلسل ولاسيما حسن وجبار وعامره وهو الذي اظهر التحولات النفسية والاجتماعية للشخصيات كان استرجاع المشاهد اهم مفصل في العمل لذا كان لابد من ان يكون الاداء الدرامي على مستوى جيلين لتجسيد العمل جيل من الشباب يمثلون الشخصيات الرئيسة في مرحلة شبابهم وجيل اخر من الممثلين يمثلون ذات الشخصيات في زمنهم الحالي لخلق حالة من الاقناع والمصداقية لدى المتلقين لان الكبر والترهل والسلوك ظل واحدا لدى كل الشخصيات في مراحلها العمرية المختلفه فلم يظهر لنا التحول والتغيير والانتقال ما بين مرحلة واخرى متقدمه بشكل مقنع . لعل البطل في هذا العمل هو تلك المشاهد الاسترجاعية المتواصلة في المتن الحكائي والتي شكلت حضورا وكشفا للمتلقي الا انها لم تأخذ حقها واشتغالها على المستوى التعبيري المرئي والدلالي ككل بل جاءت سريعة وهامشية في حين انها هي الاساس والمحور . جهد الفنان مهندس المسلسل فارس طعمه في منح العمل زخمه الدراماتيكي وحيويته وقيادته لفريق المسلسل كان جليا ذا دربة ودراية وهو الذي زكت موهبته اعمال درامية كبيرة وبارزة لكن لابد من الاشارة الى أن هناك العديد من مشاهد الفلاش باك نفذت بالية كلائشية في الوقت الذي شكل فيه المشهد الاسترجاعي المفصل المهم في العمل ,حركة الكاميرا وزواياها تفاوتت ما بين مبتكر ومثير وما بين عادي ومألوف كما ظهر بينا لدى المتلقي ان هناك بعض من الممثلين أدى وفسرالشخصية والعمل على هواه وبعيدا عن العزف المتنوع والماهر للشخصيات الاخرى التي كانت تؤدى بوعي معرفي يدرك فرز الحالات واختلافها ما بين مرحلة عمرية واخرى , فارس طعمه من المخرجين العراقيين المتميزين الذين ليس ثمة شك بموهبتهم ونفاذ رؤيتهم لكنه في بعض الاحيان ينساق الى الرأي الاخر في الاختيار والجميع يعرف ان الاختيار الصحيح للشخصيات المناسبة للدور وليس على حسابه يشكل نصف نجاح العمل ,وقد كانت هناك اختيارات يبدو ان الانتاج فرضها وليس العمل ومتطلباته وتركيبة الشخصية وضرورتها ! لكن فارس طعمه استطاع رغم كل تلك الملاحظات من قيادة المسلسل عبر الصورة المعبرة والانتقالة المدروسة والايقاع المتواتر الذي يحمل الدلالة ويؤشر للتحولات رغم انه احيانا اغفل بعضا من التفاصيل التي تبدو واضحة للعيان في عدم تجانسها ولاسيما المكياج واللحى المستعارة واختلاف الالوان وتنافرها او تغير الراكور من مشهد الى اخرمع حمله ذات الاستمرارية ونعزو هذا الى غياب المتابعة وعدم الاستعانة بخبير في حفظ وتأكيد الاستمرارية, اما على مستوى الاداء فقد ادى فريق العمل ما اسند اليه كل حسب فهمه ومعرفته ووعيه بما تحمل الشخصية المنوطة به ادائيا , لكن لنا الحق في التوقف امام اسماء بعينها شكلت حضورا بهيا ومميزا في خارطة المسلسل : حكيم جاسم في دفئه وعفويته وهو يجسد شخصية جبار وان مال احيانا الى اداء محايد , كريم محسن في هدوئه وعمق حضوره وهو يؤدي شخصية عدنان ,دهيثم عبد الرزاق في تجسيده لشخصية البرلماني غسان بمشاعره اليابسه ونظرته القامعه كآلة سحق لا ترحم ,اياد الطائي في شخصية روكان وهويتقلب مابين التهكم والقسوة ويلعب على المكر المغلف بالخبث , قحطان زغير في شخصية ابو قتاده وهو يمزج المزاح بالمؤامرة والصراحة بالسخرية , ولابد من الالتفات الى جيل الشباب العفوي الموهوب المشحون بالمشاعر والانفعالات المتقده الذي يحسن العزف الشعوري والتحول الادائي ما بين الانسان والوحش ,ذو الفقارخضر, باسم الطيب ,علي نجم , ولمن ادعى ان المهارة والتأثير تقاس بعدد الحلقات وطول المكوث على الشاشة نقول تحية لباسل الشبيب الممثل الذي امتلأ غنى وحضورا وهو يؤدي في مساحة صغيرة شخصية نائب ضابط صبحي المتمرد ضد الظلم والمحتج على الاستبداد , ولتلك الممثلة الجميلة الحضور العميقة المشاعر المتنوعة الاداء اسيا كمال مباركة لما قدمته من جهد بارع في شخصية عامرة . تبقى الدراما العراقية في حالة تقدم ونكوص ان لم يقدم لها الدعم والرعاية الساندة والمحفزة ولابد من توفر التخطيط والمتابعة وتطوير الحلقة الوسطى المفقودة في الانتاج الدرامي وهو الانتاج والمنتج المنفذ لان الانتاج علم ومعرفة وتنظيم اداري ومالي كي يكون المنجز الابداعي قادرا على المنافسة والتسويق وتأشير الحضور الراقي والمؤثر في ذاكرة الدراما العربية .