-2-
في الفيلم ،كما في الرواية، يحكي اوسكار ماضي اسرته . جده "كوليتشك" وهو مع جدته"انا" في حقل البطاطس ثم تنجب ابنتها اجنس والدة اوسكار، وزواج هذه الاخيرة من الالماني الفريد ما تسرات، مع احتفاظها بعشيقها جان برونسكي، الزوج متبلد تنقصه العاطفة والعشيق رومانسي حالم، وهي تحتاج الى الاثنين ثم الطفل اوسكار المشكوك في نسبه . النظر الى هذه العلاقة بشكلها المجرد يحيلنا الى الموقف الذي زخرت به الروايات الكلاسيكية.
ولكنهاعند غونتر غراس تتجاوز هذا الاطار الضيق. وبلغة سينمائية متقدمة يرسم شلندروف العلاقة بطريقة مبتكرة فمن خلال مصائر هذه الشخصيات تتوضح ابعاد الصراع السياسي ومعها صعود النازية ثم سقوطها المدوي.. فأجنس تنتمي الى مدينة دانسك اما زوجها ماتسرات فهو الماني الاصل بينما يحمل برونسكي الجنسية البولندية ومنها تتجلى طبيعة الصراع السياسي..
فمدينة دانسك هي المكان الذي كان ايذانا ببدء الحرب العالمية الثانية.. هي عند اندلاع الحرب كانت تابعة لبولندا ثم احتلتها القوات الالمانية ثم عادت الى السيادة البولندية بعد انتهاء الحرب فليس من الصعوبة قراءة الدلالة في هذه العلاقة التي يمثل فيها اوسكار جيلا تائها لا يعرف الى اين ينتمي.. وهو بقرار ايقافه لنمو بعد ثلاث سنوات من عمره انما يحتج على اهمال امه وتشتت ولائها بين الزوج (المانيا) والعشيق (بولندا),., ومن خلال العديد من المشاهد التي نفذتها بعناية كاميرا شلندروف نقرأ توتر هذه العلاقة وملابساتها ، فاجنس بما ترمز اليه لمدينة دانسك ، توزع عشقها (ولاءها) بين الرجلين ، فمن جهة الفريد ذو الشخصية الضعيفة الذي لا يستطيع حتى اثبات ابوته لـ(أوسكار) ومن جهة "يون" المملوء بالحيوية والقدرة على لفت انتباه اجنس ولكن تنقصه الشجاعة نستدل على ذلك من تخاذله عندما يهاجم الالمان مكتب البريد..
و"آجنس" برغم كل شيء بحاجة الى الاثنين ، ففي مشهد تتأبط فيه ذراع الفريد حتى تظن انها حسمت اختيارها نراها تمد يدها من الخلف لتمسك بيد عشيقها القديم.. ودانسك كمدينة كانت ترغب في الدولتين ايضا..
وكأن الرجلين دولتان يسعيان الى خطب ودها..
فنرى الفريد ينضم لرجال هتلر للتعويض عن ضعفه وبسط سيطرته على زوجته بينما نرى يون يصرخ باسم اجنس في اثناء الهجوم على مكتب البريد وفي لحظة اعدامه نرى ورقة اللعب التي تحمل الحرف "د" ويتكرر فيه وجه المرأة مرتين وهو اشارة الى وجه حبيبته ووجه مدينته..
أما "اوسكار" فهو يمثل النتيجة الطبيعية لهذه العلاقة المشوهة وغير الطبيعية فهو يقول من خلال هذه العلاقة "أتوا بي الى هذا العالم" وكاد يوقف نموه في عامة الثالث احتجاجا على هذا الوضع واثارة انتباه المحيطين به خاصة امه نحوه بالقرع على طبلته والصراخ الذي يحطم الاشياء التي امامه.
والرغبة في العودة الى الرحم (الاصل) بالاختباء تحت تنورة جدته ليقي نفسه شرور العالم الخارجي وقد تعرفنا على صورته للمرة الاولى وهو في بطن امه في فولكر شلوندورف.
لقطة نرى انها لن تتكرر في السينما مرة اخرى.. وفي قراءة مصائر الشخصيات نرى ان اوسكار هو المسؤول عن موت اطراف هذه العلاقة الثلاثة فهو الذي يلصق الشعار النازي بيد ابيه فيقتله الجندي الروسي.. وهو الذي يحرض "يون" للدخول الى مكتب البريد حيث يلقى مصرعه وهو ايضا من يتمنى موت امه وتجتاحه عقدة الذنب بعدها.
تبقى "الطبلة الصفيح" لغونتر غراس واحدة من اكثر الاعمال الادبية التي حققت فيها السينما حضورها المتميز على كثرة الاعمال الادبية التي عالجتها السينما.