الساحة المقابلة للمنطقة الخضراء المحصنة وسط العاصمة بغداد، كادت تتحول الى "هايد بارك" في محاولة لاستعارة التجربة البريطانية، لكن الاجراءات الامنية، وخشية السلطات من امكانية تحويل التظاهرة الى قاعدة انطلاق للسيطرة على القصر الجمهوري والاطاحة بالديمقراطية، ضيع فرصة اقامة ساحة الهايد بارك العراقية، فانتقل المتظاهرون الى ساحات اخرى، فيما ظل المطعم التركي القريب من جسر الجمهورية ساحة رصد وتشخيص للمحتجين باستخدام وسائل حديثة، باشراف شخص منح صلاحيات الاتصال المباشر بالقادة الامنيين وقوات مكافحة الشغب ليدير المعركة من سطح المطعم، واصدار أوامر القبض الفورية بحق ناشطين، صدقوا ماورد بالدستور بخصوص حق التظاهر والتعبير عن الاحتجاج بالوسائل السلمية.
الاوضاع الامنية المرتبطة اصلا بسوء الاداء السياسي على حد قول الخبراء والمحللين جعلت المطعم التركي حاضرا في المشهد العراقي، رافقها اطلاق التهم الجاهزة ضد المتظاهرين بوصفهم من فلول حزب البعث المنحل، وأيتام النظام السابق بحسب وصف سياسيين ومسؤولين يحملون باجات الصعود الى سطح المطعم لتقدير الموقف ثم اطلاق صفارة الانذار والتحذير من تحركات "الغوغاء " للهجوم على القلعة الحصينة المنطقة الخضراء والاطاحة بالنظام السياسي.
الولايات المتحدة الاميركية اعتمدت مؤخرا ما يعرف بالقوة الناعمة للحفاظ على مصالحها في الشرق الاوسط، هذا النوع من القوة يستخدم الاقتصاد والاعلام ووسائل الاخرى، لتكون بديلا عن الخيار العسكري في تحقيق اهداف استراتيجية، القوة تحولت الى حرب ناعمة، تتطلب وسائل تنفيذ طويلة الامد، يقف وراء تطبيقها خبراء في المجالات كافة، لوضع سترتيجيات تدرس الظواهر ومواطن الخلل في المعسكر الآخر، وعلى الايقاع الناعم بتكاليف مالية اقل مقارنة بتدخل عسكري او اقامة تحالف دولي تكون النتائج ايجابية لاصحاب النظرية الناعمة.
يوم الجمعة الماضي قاد محافظ الانبار تظاهرة ضمت سياسيين ومسؤولين يمثلون محافظته داخل المنطقة الخضراء مقابل السفارة الاميركية، التظاهرة تستحق الدخول الى موسوعة غينس لانها كانت ناعمة، واغلب المشاركين فيها من سكنة المنطقة، ولطالما دخلوا الى مبنى السفارة لطرح مطالب قواعدهم الشعبية في الحصول على السلاح، وتقديم المزيد من الدعم لمسلحي العشائر لمساعدتهم في القضاء على داعش وتحرير مدنهم من سيطرة التنظيم.
تظاهرة الانبار الناعمة اعطت درسا بليغا للمحتجين المتظاهرين الراغبين في الحصول على مطالبهم بتوفير الخدمات ومحاسبة المفسدين، بان يعتمدوا النعومة بطرح مطالبهم، فاصحاب القرار في الداخل والخارج ولاسيما اثناء الازمات يستجيبون للصوت الناعم الهادئ البعيد عن الصخب واثارة الشغب، بعد التظاهرة صدرت تصريحات تفيد بان المسؤولين في السفارة الاميركية تعاطوا بايجابية مع مطالب وزراء ونواب محافظة الانبار واعضاء حكومتها المحلية، والايام المقبلة ستشهد الانتصار الناجز، وهزي يانواعم، الهايد بارك العراقية في المنطقة المحصنة.
تظاهرة "انبارية" ناعمة
[post-views]
نشر في: 22 إبريل, 2015: 09:01 م