في حالات الفوضى والحماس تضيع علينا اسئلة كثيرة، وننشغل بتحصيل البديهيات. مثل ان نكرر مليون مرة داخل سجالنا العراقي ان عزت الدوري شخص دنيء وجلاد، ولا نمل من تكرار ذلك، بينما نتجاهل اشياء غاية في الحساسية يمكن ان تحولنا الى مخطئين كبار بحق انفسنا، بما لا يقل عن نقص الحكمة الذي عاشه نظام صدام حسين وادى الى تدميرنا جميعا.
ومن الاسئلة التي يجب ان نتذكرها كل لحظة في ظروفنا الحالية هذا النموذج: كيف نكيل الشتائم والاتهامات لاهل الانبار، ونطلب منهم في الوقت نفسه ان يقاتلوا الى جانب الحكومة؟ ان عراقيين كثيرين عليهم ان يتوقفوا عند هذه النقطة ليفكروا بالحرب بنحو اخر.
انني اشعر احيانا بضرورة ان اتقدم بالشكر لداعش التي قطعت الانترنت عن الموصل كي لا يطلع اهلها على نوع الشتيمة التي تكال لاهل الانبار، مع ان معظم عوائل الانبار تقاتل القاعدة منذ ٢٠٠٦ وقدمت تضحيات كبيرة في سبيل ارساء الامن العراقي.
ان بعض اهل السنة يؤمن بالعنف لاسقاط النظام السياسي. وحين نريد ان نعالج الموقف كمؤمنين بالنظام هذا، يتوجب علينا ان نضع قاعدة كبيرة تفصل بين التيار العنفي، وبين السنة المنخرطين في المسار الدستوري والمضحين بسبب انحيازهم لفكرة الدولة، والمطالبين بالعدالة في الوقت نفسه. وبدل ان نقوم بهذا الفرز فاننا في الغالب، ننهمك في الانفعال ونضع كل السنة تقريبا في سلة واحدة، ونتهمهم بالخيانة، وهذه افضل هدية لداعش التي تتمنى ان يخضع كل السنة لتصوراتها السياسية!
ان الكثير من العراقيين اليوم وفي تصرف يكشف الجهل بمبادئ السياسة واصول حل النزاعات، يبحثون عن ادلة كثيرة لاثبات ان الساسة السنة مؤيدون لداعش، وان معظم قبائل السنة داعشية، او صديقة لعزت الدوري. دونما محاولة لتشجيع السني على ان يشعر بان لديه حصة في الدولة، كي يجد اطمئنانا كافيا يدفعه لحمل السلاح واسناد الجيش.
لقد توفر هذا الشعور الايجابي في امرلي والضلوعية، ولم يتوفر في الموصل ومعظم مناطق الانبار، ولذلك قاتل الاولون بوضوح، بينما لم يحصل اجماع على الحرب في غرب العراق. ان هذا ليس موضوعا للمحاكمة الاخلاقية، بل مشكلة سياسية تتطلب تفكيرا متانيا بمدخلاتها ومخرجاتها، والسؤال الكبير اليوم: لماذا نجح قائد الجيش الاميركي ديفيد بترايوس قبل سنوات، في اقناع الشباب غرب البلاد، بقتال القاعدة وطردها، بينما نفشل اليوم في ذلك؟ وهذا السؤال الكبير يمتلك اجابة واضحة، وهي ان شيعة مؤثرين لم يكونوا حريصين على بناء ثقة مع غرب البلاد، وبقي الشك عائقا امام توحيد السيوف والرايات. لكن هذا السؤال يقوم بتفريخ سؤال اخر: لماذا يقوم الكثير من الشيعة بتنفير السنة من الدولة واشعارهم بانهم خونة؟ انه سؤال سيتوجب على الشيعة ان يواجهوه ويفكروا مليا في معناه، اذ بدون مراجعة لهذه الحقيقة لن يمكن لبغداد ان تحصل على هيبة الدولة وتقوم بمتطلبات الادارة، لا بنحو مركزي، ولا فدرالي، لان صناعة السياسة في غرف مليئة بهذه الاتهامات، لن تفرخ سوى نزاع اهلي ابدي، سيصعب وضع نهاية له حتى بالتقسيم، لان من ضيع فرص الاستقرار داخل بلد واحد، سيضيع فرص التفاهم بين الكيانات التي ستكون بديلا عن الوطن الممزق فعليا.
ان اشراك اهل المحافظات الساخنة في الحرب لا يحتاج عملية تسليح وتمويل وحسب، بل مناخ تضامن كامل يضع حدا للشكوك والاتهامات، ويقدم الضمانات السياسية المطلوبة بشان كل الاخطاء التي حصلت طوال سنوات. وبعدها سيكون بامكاننا ان نعتب على اهل نينوى والانبار، ما شئنا.
ليس مجرد تسليح للسنة
[post-views]
نشر في: 22 إبريل, 2015: 09:01 م