TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الأغلبية بحساب المقابر

الأغلبية بحساب المقابر

نشر في: 26 إبريل, 2015: 09:01 م

العراقيون أكثر شعوب المنطقة العربية زيارة للمقابر ، إما بصفة "جنازة " رافقوا جثمان المرحوم لدفنه ، او لزيارة الموتى من الاهل والاقارب ، منذ تسارعت عجلة الموت في بلاد ما بين النهرين تصاعد نشاط عزرائيل في هذه البقعة الجغرافية ، فاصبحت زيارة المقبرة في الاعياد والمناسبات الوطنية والقومية فضلا عن الدينية تقليدا ثابتا يحرص على ممارسته الجميع لاثبات وفاء واخلاص الاحياء للاموات وتنفيذ وصاياهم طبقا لاحكام شرعية ووضعية.
المقابر في العراق تعطي مؤشرا واضحا على حجم مكوناته الاجتماعية فحين يصل الزائر الى وادي السلام في محافظة النجف، يتوصل الى قناعة راسخة بان هؤلاء الموتى مع الاحياء يشكلون اغلبية في المجتمع ، اما المقابر الاخرى فهي بمساحات صغيرة ، ينطبق عليها نظام الكوتا للحصول على تمثيل في البرلمان ، الحديث السياسي بين "الجنازة" اثناء دفن المرحوم يتطرق الى مثل هذه المواضيع ، خصوصا ان النظر الى الافق تقطعه قباب ، وشواهد مرتفعة تشير الى تاريخ قتلى الحروب ، والعنف الطائفي والغدر والخيانة ، تنتهي عملية الدفن ، فيتوجه المشيعون الى اقرب مطعم ليتناول الجميع الكباب وتشريب اللحم ، وهناك من يبدي رغبته في شراء حلاوة" دهين ابو علي" ليوزعها بين افراد اسرته، مع دعوة للشعور بالفخر للانتماء الى الاغلبية .
مشاعر الحزن والاسف في المقبرة ترتبط بعمر المرحوم ، اذا كان شابا مقتلولا نتيجة اعتداء ارهابي او عملية مسلحة او اثناء مواجهة تنظيم داعش تكون المشاعر صادقة وعميقة ، لكنها سرعان ما تتبدد اثناء سلوك الطريق السريع ، اما اذا كان المرحوم كبير السن ، فأول سؤال يطرحه احدهم همسا بأذن الآخر هو " المرحوم عنده مالية " للاستفسار عن تركة وثروة المرحوم المالية ، مع رغبة في طرح اسئلة اخرى لمعرفة مصير زوجة المرحوم الثانية لا يجد صاحب السؤال الفرصة المناسبة ، وقد يؤجلها لوقت آخر.
بصرف النظر عن حسابات الاغلبية من خلال المقابر لدحض مزاعم دعاة التوازن في الحصول على مناصب ومواقع تنسجم مع نسبة المكونات الاجتماعية بين السكان ، تعكس القبور جانبا من التاريخ العراقي ، الشواهد تعطي صورة واضحة لاعداد كبيرة من الشباب قتلوا اثناء الحرب العراقية الايرانية اغلبهم من الجنود ، مع استمرار دوران عجلة الموت المجاني جراء الحروب ليس لعزرائيل علاقة بها من بعيد او قريب ، تأخذ القبور شكل تجمعات تروي حادثة جسر الائمة ، وضحايا العنف الطائفي ، والقتل على الهوية .
مقبرة كربلاء تضم قتلى مجهولي الهوية ، تم تسلمها من دائرة الطب العدلي لتدفن رفاتهم في في مكان منعزل ، يعطي دليلا آخر على اضطراب الوضع الامني والسياسي وعجز الحكومات المتعاقبة عن توفير الامن، في غياب اجراء تعداد عام للسكان بإمكان النخب السياسية اللجوء الى المقابر لتاكيد حقها في تمثيل الاغلبية في بلاد دماء ما بين النهرين .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram