العراقيون أكثر شعوب المنطقة العربية زيارة للمقابر ، إما بصفة "جنازة " رافقوا جثمان المرحوم لدفنه ، او لزيارة الموتى من الاهل والاقارب ، منذ تسارعت عجلة الموت في بلاد ما بين النهرين تصاعد نشاط عزرائيل في هذه البقعة الجغرافية ، فاصبحت زيارة المقبرة في الاعياد والمناسبات الوطنية والقومية فضلا عن الدينية تقليدا ثابتا يحرص على ممارسته الجميع لاثبات وفاء واخلاص الاحياء للاموات وتنفيذ وصاياهم طبقا لاحكام شرعية ووضعية.
المقابر في العراق تعطي مؤشرا واضحا على حجم مكوناته الاجتماعية فحين يصل الزائر الى وادي السلام في محافظة النجف، يتوصل الى قناعة راسخة بان هؤلاء الموتى مع الاحياء يشكلون اغلبية في المجتمع ، اما المقابر الاخرى فهي بمساحات صغيرة ، ينطبق عليها نظام الكوتا للحصول على تمثيل في البرلمان ، الحديث السياسي بين "الجنازة" اثناء دفن المرحوم يتطرق الى مثل هذه المواضيع ، خصوصا ان النظر الى الافق تقطعه قباب ، وشواهد مرتفعة تشير الى تاريخ قتلى الحروب ، والعنف الطائفي والغدر والخيانة ، تنتهي عملية الدفن ، فيتوجه المشيعون الى اقرب مطعم ليتناول الجميع الكباب وتشريب اللحم ، وهناك من يبدي رغبته في شراء حلاوة" دهين ابو علي" ليوزعها بين افراد اسرته، مع دعوة للشعور بالفخر للانتماء الى الاغلبية .
مشاعر الحزن والاسف في المقبرة ترتبط بعمر المرحوم ، اذا كان شابا مقتلولا نتيجة اعتداء ارهابي او عملية مسلحة او اثناء مواجهة تنظيم داعش تكون المشاعر صادقة وعميقة ، لكنها سرعان ما تتبدد اثناء سلوك الطريق السريع ، اما اذا كان المرحوم كبير السن ، فأول سؤال يطرحه احدهم همسا بأذن الآخر هو " المرحوم عنده مالية " للاستفسار عن تركة وثروة المرحوم المالية ، مع رغبة في طرح اسئلة اخرى لمعرفة مصير زوجة المرحوم الثانية لا يجد صاحب السؤال الفرصة المناسبة ، وقد يؤجلها لوقت آخر.
بصرف النظر عن حسابات الاغلبية من خلال المقابر لدحض مزاعم دعاة التوازن في الحصول على مناصب ومواقع تنسجم مع نسبة المكونات الاجتماعية بين السكان ، تعكس القبور جانبا من التاريخ العراقي ، الشواهد تعطي صورة واضحة لاعداد كبيرة من الشباب قتلوا اثناء الحرب العراقية الايرانية اغلبهم من الجنود ، مع استمرار دوران عجلة الموت المجاني جراء الحروب ليس لعزرائيل علاقة بها من بعيد او قريب ، تأخذ القبور شكل تجمعات تروي حادثة جسر الائمة ، وضحايا العنف الطائفي ، والقتل على الهوية .
مقبرة كربلاء تضم قتلى مجهولي الهوية ، تم تسلمها من دائرة الطب العدلي لتدفن رفاتهم في في مكان منعزل ، يعطي دليلا آخر على اضطراب الوضع الامني والسياسي وعجز الحكومات المتعاقبة عن توفير الامن، في غياب اجراء تعداد عام للسكان بإمكان النخب السياسية اللجوء الى المقابر لتاكيد حقها في تمثيل الاغلبية في بلاد دماء ما بين النهرين .
الأغلبية بحساب المقابر
[post-views]
نشر في: 26 إبريل, 2015: 09:01 م