تتساوى القيامة والجحيم لدى الشاعر حينما يجد نفسه على شفا آهة واحدة تخرج من بين أضلاعه ، فكيف إذا تأوه عمره كله ؟ هذا ما وجدته عند قراءتي المجموعة الشعرية " القيامة " للشاعر العراقي جابر السوداني الصادرة حديثا عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزي
تتساوى القيامة والجحيم لدى الشاعر حينما يجد نفسه على شفا آهة واحدة تخرج من بين أضلاعه ، فكيف إذا تأوه عمره كله ؟ هذا ما وجدته عند قراءتي المجموعة الشعرية " القيامة " للشاعر العراقي جابر السوداني الصادرة حديثا عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع بغداد ، حيث هذا الكم من البلايا التي تناسلت هنا على أرض الرافدين ما أجبره على أن تكون جزءا من قيامته كشاعر وقف على ضفافها كما يقول فناننا التشكيلي وناقدنا الأستاذ قاسم العزاوي في مقدمته لديوان السوداني : " ما زال الطائر الشعري جابر السوداني يحلق بأجنحة الألم صوب سماوات ترنو إلى عالمنا وموجوداته ، هذا العالم المسكون بالتضادات المتناحرة والاستلابات التي تصل إلى حد تفريغ ذاتنا من ذواتنا وترقص على حطامها فرحة مبتهجة " .
السوداني وتحت تأثير هذا الألم تتحول حروف قصائده لتشكل أكثر من قيامة واحدة كما في " خرافة الأزمنة " و " أطوار دعبل الخزاعي" و "في التحقيق" وقصائد كثيرة تراءت له فيها القيامة وهو يجوب بأحرفها شوارع مدينته كما أشار إليها في تمهيدته حيث قال :
" ليتني بقيت بعفويتي ولم أغادر قريتي
ليتني لم أعرف الشعر ولم يعرفني
ولم أمارس غواية التسكع
مثل المشردين على أرصفة الليل
في شوارع المدينة
بل ليتني مت قبل أن أرى شوارع المدينة ..
في قصيدته "القيامة" التي حملت مجموعته الشعرية عنوانها تتحول حروفها وبجرأة إلى صور صادمة نتلمسها صوتا هادرا من أعماق الروح حيث يقول :
فيض الوجعِ الصاعدُ من قاع البحر
دفقا تتريا يجري
في أوردة الشعرِ المتطاولِ والأشجارْ
فأحنُ إلى أسرارِ رؤاهُ المخبوءة
في ظلماتِ الغيهب
يسملُ عينيَّ سناهُ الملكوتيُ الأبهى
وأموتُ من الغيظ الكامن
في قلب الغيظ وفي طعم الدفلى
يأخذني حلمي المتمردُ من هدأة
جرحي المستعرِ جنونا أزليا
من قدمي الغارق في التيه
إلى قمة رأسي
مثل الأرقِ الصاعد توا
لسماوات من عبق ازرق
الشاعر هنا وهو يعيش قيامته يعلم بحجم الجحيم الذي سيلاقيه هو ومن معه من البشر لذلك نراه يتلمس كلَ ما يدلُ على آثار الرب ليقول :
سبحانك أنت رأيتك في الأرض مرارا
تتنكر بثياب الكهان الحمقى
وتطوف وحيدا في الأرجاء
تتخطى بين وجومِ الأمواتِ الفقراء
وبين جموعِ المغلوبين َ القتلى
تتوعدهم بالنار وبالثأر
إن الخيط الرفيع الذي يفصل بين قيامة الشاعر وجحيمه هي هذه النكبات المتوالية التي لا تريد مغادرة حياته هنا في بلاده وهو حينما يتمسك بوعد الرب :
وبالفردوس وجنات الملكوت الأعلى
ومجامر من صندل
وإناث من بلور ماسي السمة ورضوان
سبحانك ماذا استبقيت بجرحي ؟
ستعمدني الليلة بالفيض السحري
وبالنور الأبهى
يعود ثانية بعد فراغه من هذه القيامة ليجدها تترى ثانية في قصائد أخرى في مجموعته هذه أو التي اختزل بها معظمها كما يقول الأستاذ العزاوي ، مثل قصائد "ابتذال" أو "خرافة الأزمنة" وغيرها ، لكنه وقبل اختتامه القصيدة يصرخ عاليا :
وسأهتف منتشيا قد كذب الكهان جميعا
أن الرب رحيم جدا
لا تأخذه سنة عن سغب الفقراء
ولا توجد نار وعذابات في الملكوت الأعلى
قد كذب الكهان جميعا
لا يوجد ثعبان أقرع في أجداث الموتى
والفردوس لنا نحن الفقراء
موائدها العسلية والخلد وأنهار الخمر الأنقى
التوظيف الديني للمقدس جاء ملائما هنا كما قرأنا من قبل " جحيم دانتي " حيث صّور فيها Presence is ground in the continuation of life after death أي الوجود غير الأرضي أي استمرار الحياة بعد الموت .