اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > ألف ليلة وليلة وتأصيل المسرح العربي

ألف ليلة وليلة وتأصيل المسرح العربي

نشر في: 28 إبريل, 2015: 12:01 ص

((وظيفة الفن ، إعطاء الإنسان القوة تجاه الطبيعة ، والآخر ، والواقع))
أرنست فيشر
 
 ارتبطت (شهرزاد) في ألف ليلة وليلة (ببغداد) بوصفها مكاناً إبداعياً حضارياً ، يمثل ازدهار ((العقل)) العربي ، ببعده الفلسفي – الإنساني .بغداد هذه انطوت

((وظيفة الفن ، إعطاء الإنسان القوة تجاه الطبيعة ، والآخر ، والواقع))
أرنست فيشر

 

 ارتبطت (شهرزاد) في ألف ليلة وليلة (ببغداد) بوصفها مكاناً إبداعياً حضارياً ، يمثل ازدهار ((العقل)) العربي ، ببعده الفلسفي – الإنساني .بغداد هذه انطوت على تجليات الأزمنة ، التي عبّرت عن حكمة العراقيين ، واتصالهم بالأقوام ، والشعوب القريبة والبعيدة ، ولأن ظاهرة المسرح ، مركبة ، وتقوم على أبعاد ميثولوجية ، وأنثـروبولوجية واجتماعية ونفسية ، وأدبية وفنية ، فقد وضعنا خطة بحث ، تصفيّ أبعاد هذه ((الحكايا)) التي هي دائرة علوم ومعارف يمتح منها المبدعون مواد صالحة لأعمالهم .

 

وهي ترفد ((النظريات)) المتقاطعة ، والتجارب التطبيقية المتنوعة بحاضنة خلاقة من الأسانيد ، والأبعاد الرصينة ، لما يبتغونه من أهداف علمية وفنية وأدبية وفكرية . الأمر الذي اقتضى البحث في ما أسميناه (تراجيديا الخيال) المسرحي ، أن ننظر الى توسط الغريزة والعقل في نسيج رقعة الخير والشّر ، وعلاقة (الإبلاغ) بسيميائية التكوين الفني ، لإعطاء مغزى يدور بين آفاق مثالية وأخرى واقعية ، وما اقتضاه السرد في العصر الحديث من ((محاكاة)) السرديات (شهرزاد) ولكن من وجهة نظر الحداثة المسرحية ، أو القصصية . لقد اجتذبت الليالي مخيلات الغرب وأثارت عوالمها حتى (شكسبير) عبقري المسرح العالمي ، بما احتوته من أحابيل ، وصراعات ، وشخصيات إشكالية متنوعة ، وما فيها من أرواح شيطانية أو أنسيّة ، كلها شكلت في (ديوان الشرق) هذا معاني السلطة ، ومركبات الغريزة والعقل والعاطفة ، والدين والحياة .
ومن خلال تجربة (توفيق الحكيم) في مسرحية )شهرزاد( ، ستثار زوبعة على التيارات النقدية المتصادمة ، للجواب عن السؤال التراجيدي فيها ، وعلاقة البنية الحكائية بمتن ((الشهد)) الحكائي في المسرح ومن خلال معالجة قصة (تودد) الجارية ، سنرى امتداد أفقها (البغدادي) الى المعمورة كلها ، بسبب إنها كانت تضع قناع شهرزاد على وجه حكايتها ، بعبقرية عربية وإسلامية ، يعلو فيها الوعي النسوي الى أعلى مراتب التركيب الفئوي والطبيعي للمجتمع ، وسنسأل عن المؤلف العربي ، والاتجاهات الأسلوبية في الكتابة المسرحية ، لنختمها (بشهادة) كاتب هذه السطور .
((الليالي بين العقل والغريزة))
أظهرت تقلبات (الليالي) عبر حكايا شهرزاد ، رجاحة عقلها بسردها المفتوح ، تجاه المخاطب الملك (شهريار) وهو في حال سوداوية تحبسه داخل عتمة روحه المغلقة ، وغرائزه الوحشية ، وهذا ما يقربنا لما نسمّيه (تراجيديا الخيال) الذي يحتم أن تشترع المخيلة ، إما خلاصاً ، أو موتاً ، لصاحبة اللعبة الخلاقة شهرزاد. والرهان يبقى متوتراً في الحدّ الفاصل بين الخير والشر .
شهرزاد ، دفعت بشهريار لأن يرى في جمالها (عقلاً) ونبلاً يفوق ما فيها من ((غريزة)) ومتع عابرة . هذا ما يذكرنا برأي (كولردج) حين وجد أن دزدمونة في مسرحية (شكسبير) ، تحبّ عطيلا ، لأنها كانت قد رأت (وجهه) في (عقله) . مع فارق الجمالي بالطبع ، بين جمال شهرزاد وعطيل! المهم هو طموح ((العقل)) في سطوته على الآخر . حتى سايكولوجية شهريار تغيّرت ، حين جعلت قبضة غيرته وشكله المريب بجنس المرأة ، تتراخى بفعل سحر الحكاية .
بتوظيف حّر ، لفاعلية ((المعرفة)) تلاعبت شهرزاد ، بتقنيتها السردية ، المتوزعة بين اللذائذ والآلام ، لتحصر الزمن في فضاء الحضور الآني في حاضر أخلاقي ، بريء ، لا تشوبه شائبة .
((الليالي بين المثالية والواقعية))
على مدى سردياتها ، أكدّت شهرزاد على (متخيل) غائب ، أو يعتبر من (العدم) ، لكنها بتحفيز ((وعي)) شهريار ، استطاعت أن تحقق (وجود) شهريار الجديد ، المبني على الوعّي الجديد ، ما منحه ((الحرية)) للخروج من دوامة وسواسه الغريب.
لقد كسرت شهرزاد ، جرّة شهريار ، المملوءة بالشّك ، ليتناقص رملُها المرضي ، عبر محطات الحكايا ، و ((أحوالها)) لقد جعلتهُ يؤمن بالصباح وكما يقول (إيليا أبو ماضي) .
وتمتّع بالصُبح ما دمت فيه لا تخف أن يزول حتى يزولا
وربما كان وقع أزمته ، واشتدادها عليه قد قربه من الوصول الى حلّ لمعضلته المرضية كما يقول شاعر :
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلُك بالبلج
استطاعت بفضل ما تنعّمت به شهرزاد من فطنة ، أن تخرج هذا الملك المتوحش ، والمُبتلى بنعمته وسطوة ملكه ، من قوقعته الكابوسية وخواء نفسه .
حتى نقلته من شغف التملك الكلّي القدرة ، الى حالة من التوازن المعقول بمحدوديتهُ البشرية ، وحياته الواقعية . شهريار هذا بات ليله ((للتأمل)) مع الحكايا ، واقترب ((نهاره)) من ((العيش)) مع متطلبات الحياة ، وهذا ما أرادته شهرزاد منه ، أن يكون كائناً (نهارياً) وينبلج صبحه من قلب ((العتمة)) ! .
وربما مغزى ((الليالي)) الرئيس يكمن في المسار الحلقي للحكايا .إذ يرى (د. عبد الحميد يونس) ، أن الليالي ، تلّح على التعقل في السلوك والامتناع عن الشطط والتهور ، بسرد القصص ، التي استطاعت شهرزاد بوساطتها أن تحمي بنات جنسها من رعونة شهريار موظفة فيها ((الأدوات الخارقة)) . لتحقيق آمال أبطالها ، مثل الحصان الطائر وطاقية الإخفاء وخاتم سليمان والسرير الطائر . . . ونزعم انها توسلت (بالخارق) من أجل تأكيد المألوف اليومي لزوجها ، بالعقل ، لا بالمعجزات والخوارق ، لانها كانت تتحكم بالخارق من بُعد .
وقبل أن ننظر في علاقة ألف ليلة وليلة بـ(المسرح) ، لننظر في ((سرديات)) قريبة الى عصرنا ، ونتفحص إمكانية تحويل سرديات الليالي ، الى سرد مسرحي ، ونستدل على ذلك من خلال (أنموذجين) هما : (طه حسين) و (فاطمة المرنيسي) بإيجاز شديد ، وللتدليل على تصادي الحكايا القديمة مع أزمنتنا الحديثة لا أكثر .
((السرد النثري الحديث عن الليالي))
تدور سرديات (طه حسين) في (أحلام شهرزاد) ، عن الليلة ((التاسعة بعد الألف)) ، التي أفاق فيها شهريار من نومه مذعوراً ، وجعل يستمع لعله يجد ذلك (الصوت) الذي أيقظه . . إذ ما بات يسمع صوت شهرزاد والتي كان يجيبها بأن الشوق قد أرّقه لسماع قصصها العذب الجميل . وبقيت شهرزاد ، كعهده بها ، غامضة دائماً ، ساحرة اللفظ ، واللحظ ، وتشيع حولها شيئاً (غريباً) لا يُعرف كنههُ ، لكنه كان يبعث الأمن والأمل والاطمئنان . وينتهي طه حسين ببطله ، الذي يعتقد بأن (الشعوب) إنما خلقت ليرهقها الملوك والزعماء (بالحرب) و (السلم) جميعاً .
ندفعها – يقول شهريار – الى الموت حين نحارب وندفعها الى الشقاء حين نسالم .
لكن : أوقات الملوك ليست خالصة لهم من دون الرعية . هذا الدرس الذي يخلص إليه طه حسين* . 
((الليالي وسرديات المرأة الحديثة))
تذكر (فاطمة المرنيسي) في روايتها (شهرزاد ترحل الى الغرب) أن ((كسوة الريش)) رسالة ترويها شهرزاد ، مفادها أن تحيا المرأة وهي متأهبة للرحيل ، حتى إن كانت محبوبة ، ذلك أن الحب في رأي شهرزاد قد يصبح ((قيداً)) وحين تنتقل الى علاقة المرأة العربية في سفرها الى (الغرب) تجد أن الغربيين والأميركان (يبتسمون لأن ((الحريم)) ، بالنسبة إليهم يرتبط بالجنس والإباحية) ، وبالطبع ، تؤكد (المرنيسي) بأن ذلك لا علاقة له بحريم الشرق البتة** ولكن تبقى سطوة ((المرأة)) ، أعلى من (هارون الرشيد) نفسه ، الذي ينشد شعراً :
مالي تطاوعني البريّةُ كُلها وأطيعُهُنّ وهنّ في عصياني

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram