بعد الحملة الكارثية التي شنّتها قوات التحالف قبل قرن من الزمن، استقال المسؤولون و كتبت التقارير عنها بعد ثلاث سنوات و أغلقت القضية. قبل مائة عام و في يوم السبت نزل عشرات الآلآف من قوات التحالف، بقيادة ضباط من أستراليا و نيوزيلندا، على جزيرة غاليبولي

بعد الحملة الكارثية التي شنّتها قوات التحالف قبل قرن من الزمن، استقال المسؤولون و كتبت التقارير عنها بعد ثلاث سنوات و أغلقت القضية. قبل مائة عام و في يوم السبت نزل عشرات الآلآف من قوات التحالف، بقيادة ضباط من أستراليا و نيوزيلندا، على جزيرة غاليبولي على الضفة الشرقية للدردنيل في تركيا. كانت الخطة – التي ابتكرها ونستون تشرشل – هي الاستيلاء على إسطنبول و السماح لروسيا ، الحليفة في الحرب العالمية الأولى والثانية، بالوصول بأمان الى البحر الأبيض المتوسط. في الخامس و العشرين من نيسان – المعروف بيوم أنزاك – وضعت أكاليل الزهور و أنشدت التراتيل في ذكرى عدد كبير من الخسائر في كارثة عسكرية يقع فيها اللوم بشكل مباشر على القادة البريطانيين . 

يصادف العام الحالي الذكرى المئوية للنزول في خليج أنزاك في غاليبولي. كان المفترض ان يستسلم الأتراك بسرعة لقصف البحرية، لكن بدلاً من ذلك ستسلمت السفن الحربية البريطانية و الفرنسية لقصف المدافع التركية و الألغام و سوء الأحوال الجوية. بحلول نهاية العام و مع تحوّل الحرارة القاتلة الى برد قارس قام الحلفاء – بعد تقديم تضحيات كبيرة تقدّر بتسعة آلاف من الأستراليين - بإجلاء 3 آلآف مقاتل من نيوزيلندا و 35 ألف بريطاني و 10 آلآف فرنسي، و بلغ عدد الجرحى ضعف هذه الأعداد. رغم مقتل ما يقرب من 60 ألف مقاتل من الأتراك فقد كان الوقت متأخرا لرفع معنويات قادة الأمبراطورية العثمانية الآيلة للسقوط. بعد عام شجّعهم ذلك على محاصرة القوات البريطانية في مدينة الكوت العراقية، حيث قتل ما يقرب من 38 ألف مقاتل من القوات البريطانية و الهندية عام 1916 نتيجة القيادة السيئة. كتب نورمان ديكسون عن سيكولوجية عدم الكفاءة العسكرية يقول " قادوهم الى العذاب و الموت". كانت الكوت مثل غاليبولي تفتقر الى التصوّر السليم و غير مهيأة بسبب الاستخبارات السيئة التي ينفّذها قادة ضعفاء غير حاسمين مسؤولين عن قوات غير مجهزة بشكل مناسب. أطلق السير موريس هانكي، سكرتير مجلس الحرب في لندن، على حملة غاليبولي بأنها مقامرة بنيت على فتراض ضعف قوة الأتراك. بقي مجلس الحرب منقسما حتى أواخر 1915 عندما قرر الإنسحاب من الدردنيل.
في لندن ستقال عدد من القادة بينهم اللورد فيشر بسبب رفض الحكومة التخلي عن غاليبولي منذ البداية، و تشرشل الضابط الأعلى في البحرية و تضرر مستقبله السياسي مؤقتا، كما طرد الجنرال أيان هاملتون القائد البريطاني في غاليبولي. في 1916 شكّلت الحكومة البريطانية لجنة تحقيقية – لجنة الدردنيل - عملت لمدة ثلاث سنوات و في 1919 توصّلت الى ان تخطيط و تنفيذ الحملة كان ضعيفا و ان القيادة كانت تستهين بالمصاعب .
الكثير من الاستنتاجات التي توصّلت اليها لجنة الدردنيل تردد صدى لجنة تشيلكوت التي تشكّلت عام 2003 و المتعلقة باجتياح العراق و من المتوقع نشر نتائج التحقيق العام المقبل أي بعد سبع سنوات على تشكيلها. أساساً كان التأخير بسبب النزاعات الساخنة مع أمناء مجلس الوزراء المتعاقبين حول ما يمكن ان ينشر من الوثائق، اما الآن فان التأخير يعود الى إعتراضات اولئك الذين انتقدتهم اللجنة.
الجدل مستمر رغم ان لجنة الدردنيل كانت أسرع من لجنة تشيلكوت. كان ينبغي ان يكون التعامل مع الدروس المستفادة أسهل بكثير من ذلك. ربما كانت لجنة تشيلكوت تشير الى تجربة غاليبولي قبل مائة عام، و في 2006 كان القادة العسكريون يشيرون الى الحروب الأنكلو – أفغانية الكارثية في القرن التاسع عشر قبل نشر آلاف المقاتلين في أفغانستان ينتسبون لجيش لم يشف بعد من أخطاء العراق . ربما لن يتعلم الزعماء و القادة السياسيون والعسكريون البريطانيون، أو ربما يجد القادة العسكريون صعوبة في الاعتراف بضعفهم أمام سادتهم السياسيين مهما كانت الظروف .

عن : الغارديان البريطانية