في زمن الاحتلال العثماني ، لم يجد "غفار الأخرس" مصدرا للحصول على رزقه اليومي الا عن طريق التسول والانضمام الى مجاميع "المكادي " المتسولين، غفوري لم يكن يمتلك وسائل كسب عطف المارة في ازقة بغداد القديمة فاستعان بشخص يردد عبارات المكادي للحصول على "بارة " اصغر عملة معتمدة ، لها قدرة شرائية للحصول على القوت اليومي .
احد مساعدي "غفوري الاخرس " أي الناطق باسمه ، كان عصبي المزاج ، يجيد إلقاء ديباجة التسول ، لكنه حين يرفض المارة الاستجابة لطلبه ، يشغل منظومة الشتم والسباب ، فيهرب من المكان ، ليشاهد من بعيد مشهد الاعتداء بالضرب والركلات الموجهة لغفوري من دون أن يعرف السبب ، فيتبرع احد الاشخاص مستخدما لغة الاشاره فيخبر غفوري بان مساعده شتم المارة ، وعليه ان يتحمل دفع الضريبة ، يتوجه الاخرس الى مكان آخر عسى ان يعطف عليه احد ويحقق امنيته في الحصول على البارة .
غفار الاخرس تعرض لاكثر من اعتداء بسبب مساعديه الناطقين باسمه اثناء جولة الاستجداء اليومية ، فهو لايسمع ما يقال وليس له القدرة على بيان وجهة نظره لافراد الجندرمة فيتلقى منهم الضرب بالعصي مع تهديد بالسجن في حال تكرار شتم المارة بسباب يخدش الحياء يجمع مفردات عربية وعثمانية.
بعد مرور قرابة اكثر من قرن على وفاة غفوري الاخرس ، ظهر جيل من الناطقين باسمه ، حملوا شعار " خير السلاح في العراق السباب والشتم " فسخروا مواهبهم لمن يحتاجها للنيل من الخصوم ، بمعنى آخر وظف اصحاب الشعار خبراتهم وسيلة للتسقيط مقابل الحصول على ثمن ، فاحتفظت الذاكرة الشعبية باقوال وقصائد هجاء بحق اشخاص لم يتخلصوا منها حتى بعد وفاتهم فانتقلت الى الابناء والاحفاد .
استخدام السباب والشتم يرتبط باحتدام الصراع بين القوى السياسية ، والعراق المعروف عنه بانه لم يشهد مظاهر الاستقرار السياسي بفعل سعي جميع الاطراف من احزاب وطوائف وفئات للوصول الى السلطة سواء بدعم خارجي او بانقلاب عسكري ، اعتمدت جميع الاطراف وبلا استثناء سلاح السباب ولاسيما بعد امتلاكها الصحف للنيل من الخصوم وتسقيطهم .
العودة الى الصحف الصادرة قبل عشرات السنين ، ستعطي دليلا واضحا عن مستوى الصراع السياسي ، والرغبة في الوصول الى السلطة ، واستخدام السباب سلاحا عراقيا كمظهر من وسائل الاحزاب والقوى السياسية في خوض المعترك النضالي ، هذا الحزب رجعي مرتبط بدول استعمارية والآخر طائفي عشائري ، والحزب الثالث لايمتلك رصيدا جماهيريا ، وعلى هذا المستوى من السباب والشتائم ، اصبحت الساحة خالية فاستطاع احد الاحزاب السيطرة على السلطة ، فاصبح منافسوه عملاء ، يستحقون عقوبة الاعدام بتهمة الخيانة العظمى .
الواقع العراقي الراهن بكل اضطراباته ونكباته وسوء اوضاعه الامنية ، فيه من يحاول اعادة الحياة لشعار "خير السلاح سباب" لتحقيق اهدافه في الوصول الى السلطة، بطريقة واسلوب الناطقين باسم المرحوم غفوري الأخرس.
خير السلاح سبابووو
[post-views]
نشر في: 28 إبريل, 2015: 09:01 م