أعتقد أن واحدة من أكبر الخسارات التي منيت بها الموسيقى في أوروبا، إلى جانب الحريق الذي التهم كل أعمال فيليب هاينريش أرلَباخ (1657 – 1714) سنة 1735، هي الوفاة المبكرة للعبقري جوفاني باتيستا برغوليزي (پـَرْغـولَيْزي)، فقد عاش بين 1710 – 173
أعتقد أن واحدة من أكبر الخسارات التي منيت بها الموسيقى في أوروبا، إلى جانب الحريق الذي التهم كل أعمال فيليب هاينريش أرلَباخ (1657 – 1714) سنة 1735، هي الوفاة المبكرة للعبقري جوفاني باتيستا برغوليزي (پـَرْغـولَيْزي)، فقد عاش بين 1710 – 1736، أي 26 سنة فحسب. لكن السنوات الست التي نشط فيها كانت كافية ليؤلف أربع أوبرات جادة، اثنتين من الاوبرات الهزلية، ومثلها من الفواصل الهزلية التي كانت تقدم بين فصول الأوبرات، دراما دينية واحدة، أوراتوريو واحد، قداسين، عدد من الأعمال للصلوات الليلية، ست كانتاتات، علاوة على أحد أعظم أعماله ستابات ماتر (نسبة إلى مطلع نشيد ديني عن وقوف مريم عند الصليب). ألف كذلك خلال هذه الفترة القصيرة عدداً قليلاً من الأعمال للأدوات الموسيقية الرائعة. بدأ حياته العملية في 1729 اثر تعيينه عازفاً أولاً للكمان في كونسرفاتوار نابولي، حتى قبل أن يتخرج سنة 1731 بتأليفه أوراتوريو يحلم الكثير من المؤلفين بتأليف عمل يشبهه. باشر بعد تخرجه في تأليف أول أعماله الاوبرالية، ثم كتب أوبرا كوميدية ناجحة اشتهر بها. انتقل برغوليزي إلى روما في 1734 حيث بدأ بتأليف الأعمال الدينية. لكن مرضه بالسل بدأ يعيقه عن العمل شيئاً فشيئاً، فأقام في أحد أديرة بوتسولي القريبة من نابولي في الأشهر الأخيرة التي سبقت وفاته في 17 آذار 1736، وهناك كتب أعظم عملين من أعماله: ستابات ماتر المذكور آنفاً، ونشيد Salve Regina في تمجيد مريم.
مات برغوليزي ولم يكن يعرفه أحد خارج نابولي وروما، لكن مع وصول أعماله الرائعة إلى مدن أوروبا، ذاعت شهرته، فقد غدا الفاصل الهزلي "الخادمة التي أصبحت سيدة" أحد أشهر الأعمال التي قدمت على مسارح أوروبا في القرن الثامن عشر، وكان هذا العمل السبب في قيام ما يعرف بـ "عركة" المغنين الهزليين في باريس سنة 1752، ولربما أعرج على تفاصيل هذه العركة في يوم من الأيام.