TOP

جريدة المدى > عام > قراءة الرواية

قراءة الرواية

نشر في: 2 مايو, 2015: 12:01 ص

 لنبدأ بالأساسيات: هل قراءة الرواية  شبيهة بقراءة أي جنس أدبي آخر؟ هل يصح تعميم قراءة رواية على قراءة رواية أخرى؟ هل يصح أن تقاس (الحرب والسلام) بـ (يوليسيس)، أو (مثقفو) سيمون دو بوفوار بـ (دبون) شولوخوف (الهادئ)؟ حتى ضمن روايات لورنس نفسه،

 لنبدأ بالأساسيات: هل قراءة الرواية  شبيهة بقراءة أي جنس أدبي آخر؟ هل يصح تعميم قراءة رواية على قراءة رواية أخرى؟ هل يصح أن تقاس (الحرب والسلام) بـ (يوليسيس)، أو (مثقفو) سيمون دو بوفوار بـ (دبون) شولوخوف (الهادئ)؟ حتى ضمن روايات لورنس نفسه، أمن الجائز أن نستعمل على (الطاووس الأبيض – 1911) وحدة القياس نفسها المستمعلة على (عشيق الليدي تشاترلي – 1928)؟ 

 
مع ان الإجابة المنفية عن هذه التساؤلات تبدو من المسلمّات، غير أن التسطيح الذي يسم الكثير من قراءات قراء الأدب عموماً وقراء الكتابات الجادة خصوصاً، يجعل طرحها ضرورة يقتضيها الحرص على ألا يضيع الصالح في خضم الطالح، والمعمق في متاهة التافه، والرصين في صخب الخفيف.
وإذا كان تمييز الغث من السمين واحداً من أهداف الثقافة، فأي من القراء يستطيع أن يبلغ ذلك، ومن ثم هل "قراءة الرواية" والبحث فيها يقعان ضمن اختصاص "الأدب" – باعتبار الرواية جنساً من أجناس الادب – أم من ضمن اختصاص "اللغة" – باعتبار القراءة، بكل ما تنطوي عليه من مهارات، ميداناً من ميادين اللغة؟ وفي الجواب عن هذا التساؤل لا مناص من الإشارة إلى أنه ليس في خطة هذا البحث الولوج في تفاصيل الافتراض بين "الأدب" و"اللغة"، وهو افتراق يحتمه التجريد أكثر مما بعكسه الواقع، وليس في النية التطرق إلى الاستعداد اللغوي لدى هذا القارئ أو ذاك والتباين في ما بينهما، مع ما يستتبع ذلك من تباين في مستوى التلقي والاستيعاب، إن من شأن ذلك أن يحرفنا عن الجادة الرئيسة لهذا البحث، ويدخلنا في أزقة "قد يكون الدخول فيها ممتعاً للذهن" ليس أدناها شأناً استقصاء ما يطلق عليه "تشومسكي" وجماعته من أصحاب "النحو التحليلي – التوليدي" مصطلحي "الكفاءة اللغوية" و"الأداء اللغوي"، وتبيان ما لاختلاف هذا "الأداء" بين قارئ وقارئ من أثر في مدى الاستجابة الذهنية "بل الانفعالية كذلك" للمادة المقروءة. أي ، في وجيز الكلام، إن البحث في "قراءة" الرواية إنما هو رياضة لغوية في الأساس، ملعبها أدب الرواية على وجه الخصوص، مثلها في ذلك مثل "الأسلوبية" حينما تسبر غور الرواية تحديداً. 
1- جنس الرواية: 
ما هي الرواية؟ يعرفها "قاموس أوكسفورد للغة الإنكليزية" بأنها "سرد أو حكاية نثرية خيالية ذات طول كبير (يبلغ عادة هذه الأيام ما يملأ مجلداً أو مجلدين) تكون فيها الشخوص والأحداث الممثلة للحياة الحقيقية في الأزمنة الماضية والحاضرة مصوّرة في حبكة ذات تعقيد يقل او يزيد" (ص1448). 
ويورد "قاموس وبستر" التعريف الآتي: "هي سرد نثري مختلق يكون عادة طويلاً ومعقداً، ويتعامل مع التجربة الإنسانية من خلال سلسلة من الأحداث المترابطة" (ص809). أما "معجم المصطلحات الأدبية العالمية" فيوجز تعريفها بما يأتي: "إنها سرد خيالي موسع مكتوب نثراً". (1970، ص215). غير أن ثي. أم. فورستر يتبنى، في معرض تعريف الرواية في كتابه المرجعي "أوجه الرواية"، أولاً تعريف الناقد الفرنسي آبل شيفاليه، إذ يحددها هذا بكونها "حكاية خيالية نثرية ذات حجم معين"، ثم يضيف فورستر على هذا تحديداً آخر من عنده فيقول: "ويجب أن لا يقل الحجم عن 50000 كلمة. إن أي عمل حكائي نثري يزيد على 50000 كلمة سوف يعد رواية.." (1927، ص13-14). 
إذن، فالرواية كتابة نثرية، لا شعرية وإن ترد في مواضع من بعض الروايات لغة هي أقرب إلى الشعر في الروح والإيقاع والموسيقى منها إلى النثر، كما هي الحال في الكثير من روايات لورنس. 
والرواية مزيج من الخيال والحياة الحقيقية في الوقت عينه، وإن شذّت بعض الروايات الحديثة مثل "مسخ" كافكا (1883 – 1923) و"مزرعة حيوان" أورويل (1903 – 1940) ، ولو أن الترميز إلى الحياة الحقيقية هو ذريعة الكاتبين في اللجوء إلى "حَيونّة" أشخاصهما – إن صح التعبير. وفي هذا الصدد يعلق مؤلف كتاب "فهم الحكاية" كلينث بروكس وروبرت بن ورن بقولهما: "حتى حينما يكون أشخاص الرواية حيوانات فإن السمة البشرية المسقطة على الحيوان هي التي تجعل من الحيوان شخصية.." (1959، ص1). 
وبعد هذا وذاك يظل تعبير "الحياة الحقيقية" ومدى انطباقه على ما تظهره الرواية موضع نقاش لم يهدأ ولا يتوقع له أن يهدأ. 
والرواية بعد هذا سرد أو – إن شئنا الدقة – قصّ، أي أن الأحداث تُرى، تُقص، وهنا يكمن الفارق بينها وبين المسرحية – مثلاً – حيث لا يوجد سرد بل حوار ومشاهد متتالية. وبكلمة أخرى إن السرد الروائي يدفع القارئ إلى "تخيل" المشهد لا إلى "رؤيته" "كما في المسرحية والسينما". 
ثم إن في الرواية شخوصاً وأحداثاً وحبكة. وقد تشترك المسرحية او لا تشترك مع الرواية في امتلاكها هذه العناصر – منفردة أو مجتمعة – بيد أن من المؤكد أن هذه العناصر تميز الرواية عن الشعر. وإذا كا لا بد، في معرض المقارنة، من الإشارة الى جنس أدبي آخر هو القصة القصيرة، فإن الفارق الرئيس بينها وبين الرواية هو فارق في الحجم، ومن الطبيعي أن يتبع هذا فارق في مديات الأحداث والشخوص والأزمان. 
2- أنواع الروايات:
والروايات أنواع. وهذه مسألة مهمة يجب أن يضعها قارئ الرواية الجاد في حسبانه، ذلك أن تشخيص نوع الرواية يكيّف مزاجه. فالذي يهم بقراءة "الحرب والسلام" لتولستوي (1828 – 1910) أو "حرب نهاية العالم" لماريو بارغاس يوسا (1936 - ) وفي ظنه أنهما روايتان تأريخيتان، سيغتم حين يكتشف أنهما ليستا كذلك.
ومع أن من غير المعقول أو المتوقع أن يلم القارئ الاعتيادي- مهما بلغت جديته – بتفاصيل انواع الروايات إلماماً دقيقاً، إلا أن المعرفة المسبقة بها تعين على استيعاب الرواية المعنية وتلقّيها على نحو صائب. لهذا، فقد يكون من المفيد ان نستعرض بعجالة أبرز هذه الأنواع. 
يعد جيرمي هوثورن (1985 ، ص13-22) خمسة عشر نوعاً هي: 
1- الرواية التشردية (Rougue)، القائمة أساساً على تقاليد الحكايات الإسبانية الشائعة في القرن السادس عشر، والمتصفة ببساطة الأحداث والشخوص. وتعد "مول فلاندرز" لدانيل دفو (1660 – 1731) – التي لا تزال تقرأ بشغف – نموذجا لها. ويرى بعض النقاد في رواية "جيم المحظوظ" لكينغزلي أيمس (1922 – 1995) – رغم حداثتها – عناصر شبيهة بعناصر الرواية التشردية.
2- الرواية الرسائلية، المبنية أساساً على رسائل يتبادلها أشخاص الرواية. وقد شاعت في إنكلترا في القرن الثامن عشر، ومنها "باميلا" و"كلاريسا" لسامويل ريتشاردسون (1689 – 1761). 
3- الرواية التأريخية، القائمة على أحداث وشخوص ضمن محتوى تأريخي، وقد تنطوي على أشخاص حقيقيين ومتخيلين معاً، وتتميز بذكر التفاصيل الدقيقة للمشاهد والسلوك والمؤسسات.. إلخ. ولعل خير من كتب الرواية التاريخية الأسكتلندي السير ولتر سكوت (1771-1832). 
4- الرواية الإقليمية، "أو المنطقية، نسبة الى منطقة"، إذ تنتمي الأحداث والشخوص فيها إلى منطقة معينة بذاتها، وتكون عادة منطقة ريفية (وإلا فإن تشارلز ديكنز (1812 – 1970) سيغدو روائياً إقليمياً لكونه كتب رواياته عن منطقة جغرافية واحدة، هي مدينة لندن). وخير من يمثل روائيي هذا النوع الانكليزي توماس هاردي (1840 – 1928)، إذ كان إقليم "ويسكس" مسرحاً لرواياته (مع أن هذا الاسم كان من اختراع هاردي نفسه). وكذلك الأمريكي ويليم فوكنر (1897 – 1962) الذي أجرى أحداث رواياته في إقليم "يوكنا باتوفا".
5- الرواية الهجائية، وتتناول بالهجوم رذائل الناس وحماقاتهم المفترضة من وجهة نظر شخص جوال "وهو بطل الرواية". ولعل "رحلات غوليفر" للإنكليزي جوناثان سويفت (1667 – 1754) تمثل بدايات الروايات الهجائية، في حين تقف "مغامرات هكلبري فن" للأمريكي مارك توين (1835 – 1910) نموذجاً جيداً للروائي الناضج المستفيد من الأساليب الهجائية المهمة التي درج عليها من سبقوه.
6- رواية التشكل او النشأة، التي تركز على تنامي شخصية واحدة من مرحلة الفتوة المبكرة حتى سن النضوج. وتبرز هنا رواية ديكنز "ديفيد كوبرفيلد" ورواية الايرلندي جيمز جويس (1882 – 1941) "صورة الفنان شاباً" نموذجين لهذا الموضوع.
7- الرواية المقنّعة "الرواية ذات المفتاح"، أي الغامضة، المغلفة والمغلقة التي تنفتح مغاليقها إذا ما عُثِر على المفتاح المناسب (ومن هنا جاءت تسميتها بالفرنسية (Roman a. Clef). وتدور عادة حول أناس حقيقيين "يقنعهم" الروائي لغرض التمويه. وعلى هذا النهج سار الانكليزي توماس لوف بيكوك (1785 – 1886) في عدد من رواياته الفكاهية التي تناولت شخصيتي الشاعرين شيلي وكوليرج. وطبيعي أن كون أحد شخوص الرواية شبيهاً بشخص حقيقي لا يقضي إلى الحكم الحتمي على تلك الرواية بأنها مقنّعة، فالتصنيف يعتمد أساساً على استكناه السمة الاساسية التي تطبع الرواية برمتها، لا على وجود تشابه "قلّ أو زاد" بين شخصية في الرواية وشخصية حقيقية. وعليه فإن رواية د. هـ. لورنس (1885 – 1930) "أبناء وعشاق" لا يمكن عدّها رواية مقنعة لمجرد أن بطلها "بول مورل" شبيه في صفاته بلورنس نفسه.
8- الرواية ذات الرسالة "الأطروحة" (Roman a these)، أي التي تعرض لمسألة اجتماعية أو قضية مثيرة للجدل، ومن أمثلتها الشهيرة رواية "كوخ العمل توم" للأمريكية هارييت بيتشر ستو (1811 – 1896). 
9- الرواية الغوطية "الرواية السوداء"، النابعة عن الاهتمام، او إحياء الاهتمام، بالفن الغوطي في أواخر القرن الثامن عشر. وتصنف رواية "امبروزيو" أو "الراهب" للإنكليزي ماثيو غريغوري لويس (1775 – 1818) ضمن هذا الضرب.
10- الرواية المتعددة (Roman – fleuve)، كأن تكون ثلاثية أو رباعية، ويمكن قراءة كل جزء منها على حدة او كل اجزائها متتابعة. وربما كان النموج الافضل هو رواية الانكليزية انتوني باول (1905 – 2000) التي تحمل أسم "رقصة على موسيقى الزمن" والمنشورة بين عامي 1951 و1975. 
11- الرواية المسلسلة (Roman feuilleton) التي تنشر في حلقات، في صحيفة يومية مثلاً. ومع أن هذا النهج في النشر ليس شائعاً هذه الأيام إلا أنه كان معروفاً في القرن التاسع عشر. ومع ذلك ففي خمسينات القرن العشرين نشرت "الشيخ والبحر" لأرنست همنغوي (1899 – 1961) مسلسلة على صفحات "لايف" الأمريكية. 
12- رواية الخيال العلمي، وتقف "حول العالم في 80يوماً، للفرنسي جول فيرن (1828 – 1905) وروايات الإنكليزي هـ. جي. ويلز (1866 – 1946) شاهدتين على هذا النوع. 
13- الرواية الجديدة (Nouveau roman)، التي تنتهج الحداثة وتحطيم الشكل التقليدي للرواية. وقد نشأت في فرنسا "الآن روب – غريبة، ميشيل بوتور، ناتالي ساروت" ولقيت شيئاً من الرواج في الولايات المتحدة (دونالد بارثلم، جون بارث ، ولتر ابيش). 
14- الرواية البعدية (Metaficition)، أي الرواية التي تدور حول الرواية نفسها، أي التي تعمد عن قصد إلى تحطيم الأوهام التخيلية المتكونة لدى القارئ، عن طريق قيام الروائي بالتعليق المباشر على الطبيعة التخيلية للرواية أو على طريقة تشكلها. ويعد الإنكليزي لورنس ستيرن (1713 – 1768) أب هذا الضرب من كتابة الرواية، إذ إنه كثيراً ما يتمازج "على لسان الرواية" مع قارئ روايته "تريسترام شاندي" ويداعبه بطرق شتى، مثل الطلب إليه أن يرجع بضع صفحات لإعادة قراءة صفحة ما، وما إلى ذلك. ولا يزال هذا النمط موجوداً حتى في العصر الحديث، ورواية جون فاولز الموسومة "زوجة الملازم الفرنسي" الصادرة عام 1969 مثال على ذلك. 
15- الرواية الوقائعية، أو "الرواقعية" – إن صح هذا النحت – (Faction) التي كما يدل اسمها الذي نحته الأمريكي ترومان كابوتي (1924 – 1984) – تشير الى ذلك الضرب من الرواية، الذي يعرض الأحداث التاريخية (الحقائق باستخدام أساليب عرض روائية. ورواية كابوتي نفسه "عمداً" الصادرة عام 1966 مثال على ذلك.
بعد هذا الاستعراض لأنواع الروايات نلاحظ أن جيرمي هوثورن يخلط بين صنفين أساسيين كان الأجدر به تبويب الأنواع على اساسهما، وهما "تصنيف الانواع حسب المحتوى (تأريخية، خيال علمي، ذات مفتاح، نشأة.. الخ)، وتصنيف الأنواع حسب الشكل أو البنية (رسائلية، متعددة، مسلسلة.. الخ).

المقال جزء من دراسة مطولة بعنوان قراءة الرواية مع التطبيق على نساء عاشقات ستنشر في حلقات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram