اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > أربعة محابس !

أربعة محابس !

نشر في: 4 مايو, 2015: 12:01 ص

بغداد / المدى
كانت جثة صاحب الفندق ترقد وسط بركة دماء فوق فراشه في إحدى غرف الفندق في منطقة شارع الرشيد .. وأضواء عدسات رجال التصوير الجنائي تلمع وهم يقومون بتصوير مسرح الجريمة ... نعم تضايق العقيد ( م ) من تمثيل القاتل بجثة القتيل .. لكن أكثر ما ضا

بغداد / المدى

كانت جثة صاحب الفندق ترقد وسط بركة دماء فوق فراشه في إحدى غرف الفندق في منطقة شارع الرشيد .. وأضواء عدسات رجال التصوير الجنائي تلمع وهم يقومون بتصوير مسرح الجريمة ... نعم تضايق العقيد ( م ) من تمثيل القاتل بجثة القتيل .. لكن أكثر ما ضايقه كذلك أن الجثة كانت يداها بلا أصابع ، لقد قطع القاتل المجهول أصابع القتيل ، وفيما بعد عرف العقيد ( م ) إن القتيل كان يرتدي خواتم ذهبية في أصابع يديه الأثنتين ، فهل كانت السرقة هي الدافع وراء القتل ؟
كان مركز شرطة باب المعظم قد تلقى شكوى من سيدة متوسطة العمر هي ابنة صاحب الفندق . قالت ان والدها قد تعود على المبيت في الفندق ، وقد اخبرها أحد عمال الفندق بأن والدها لم ينهض صباحاً ويفتح غرفته كالمعتاد ، فأسرعت الى الفندق الذي يعيش فيه والدها ، وصرخت عندما كسرت باب غرفة والدها من قبل عمال الفندق لتجده جثة هامدة ملقاة فوق الفراش الذي أصطبغ بدمائه .
وكما تعود العقيد ( م ) فإنه لم يترك شبراً في مسرح الحادث الا ومسحه بنظراته الحادة التي كانت أشبه بكاميرا فوتوغرافية تلتقط كل شيء ليقوم فيما بعد بتحليله وإستخراج النتائج منه .
كانت الغرفة مبعثرة المحتويات وقد تحولت الى ما يشبه مسرح معركة ، فالدماء في كل مكان وثمة أجزاء من زجاجات خمور فارغة ومحطمة هنا وهناك . ولاحظ العقيد ( م ) أن القاصة الموجودة بحجرة نوم صاحب الفندق توجد عليها آثار عنف .. لكن كان من الواضح أن اللص والقاتل المجهول لم يستطع فتح القاصة فإكتفى بقطع أصابع القتيل والإستيلاء على خواتمه الثمينة . كانت المعاينة قد أكدت للعقيد ( م ) إن الجريمة أرتكبت بدافع السرقة ، ورغم ذلك فأنه كان يشعر بالحيرة بسبب عدد الطعنات التي تلقاها الرجل القتيل ، كما أن نتيجة تشريح الجثة في الطب العدلي أكدت بأن جثة صاحب الفندق لم تتلق الطعنات فقط بل ان القاتل المجهول ضربه بعصا غليظة وزجاجات الخمر الفارغة على رأسه أيضاً .
وإثر ورود إستمارة تشريح الجثة الى مركز الشرطة تأكد للعقيد ( م ) بأن للجريمة دافعاً آخر فضلاً عن السرقة ، وصدق حدسه ، وهكذا أكدت عملية جمع المعلومات فيما بعد .
في البداية سار ضابط التحقيق في طريق مسدود ، كان قد وضع إحتمالاً بأن تكون الجريمة قد إرتكبت بدافع الثأر أو لوجود خلافات بين صاحب الفندق وبين شخص آخر وتصور أن هذه النظرية سليمة .. خاصة بعد أن أشارت التحريات الى وجود خلافات بين صاحب الفندق وشقيقه الأصغر بسبب الميراث ، لكن المعلومات عادت لتذكر بوضوح أن الشقيق الأصغر كان في وقت الحادث في مكان آخر يبعد مئات الكيلو مترات ، أذن فهو بريء . ظلّ العقيد ( م ) حائراً طوال أيام الأسبوع ، ولم تكن صورة جثة صاحب الفندق تفارق عينيه أبداً . وبدأ العقيد ( م ) يفكر في شخصية الرجل القتيل ، كانت المعلومات التي حصل عليها تؤكد ثراءه .. لكنها كانت ترسم له صورة أخرى مثيرة .. إن الرجل كان يحب الحياة حقاً ، وكان إذا إنتهى من عمله ظهراً في الفندق يعود الى بيته ليعد لسهرة الليلة ، كان يحب المرح والسخرية وكانت شخصيته قوية .
وجد العقيد ( م) نفسه يسير مرّة ثانية الى غرفة القتيل في الفندق ، كان يريد أن يشاهد مسرح الحادث مرّة أخرى وكان رجال الشرطة قد أغلقوا الغرفة بعد أن تركوا كل شيء على حاله كما كان لحظة إكتشاف الجريمة . لم ينقص شيء ،سوى الجثة ، ظلّ يدور ويتحرى داخل الغرفة وفي النهاية إنحنى على ركبتيه ليتفحص الفراغ البسيط الواقع بين الفراش والحائط ، وعندما نهض كان يمسك بأطراف أصابعه قصاصة صغيرة .. قطعة ممزقة من إجازة سوق ، أمسكها العقيد سعيداً .. همس لنفسه : هذا سر الجريمة ، وعلى طرف القصاصة كان ثمة أثر بصمة أصبع ملوثة بالدماء .
لم ينم العقيد ( م ) هذه الليلة حتى أخبره رجال التسجيل الجنائي بنتيجة فحصهم لبصمة الدماء الموجودة على قصاصة إجازة السوق ، وكانت المفاجأة إنها تخص نشالاً سابقاً كان قد أمضى فترة عقوبة بسيطة في السجن ثم أطلق سراحه ، لكن المعلومات الأكثر إثارةً اشارت الى أن النشال لم يمارس عملية السرقة بعد خروجه من السجن ، بل عمل عاملاً في محل قريب للفندق وأنه تعرّف على القتيل وكان يتردد عليه ويلازمه في سهراته ثم إختفى تماماً قبل اكتشاف الحادث . وهكذا إنحصرت دائرة البحث وضاقت الحلقات حول النشال السابق وبقي أن يتم العثور عليه ليحل لغز مقتل صاحب الفندق نهائياً .
كانت معلومات الشرطة المحلية تؤكد أن النشال السابق ليس له سكن محدد وأنه دائم التجوال ، وغالباً ما ينام ليلاً في إحدى الدور في منطقة الميدان أو منطقة الحيدرخانة وأنه أحياناً يسافر الى البصرة لزيارة بعض أقربائه ، لكن الحلقة الضيقة إتسعت .. فكيف يمكن العثور على شخص واحد في العاصمة التي تزدحم بأكثر من خمسة ملايين نسمة ، أو حتى في البصرة إذا كان قد هرب اليها وسكانها يزيد عددهم على المليوني نسمة ؟ .
لكن رجال الشرطة لا يتولاهم اليأس أبداً حتى ظهرت معلومة كانت نهاية القاتل الهارب .. تلقى العقيد ( م ) برقية من شرطة البصرة تقول إن أثنين من العاطلين عن العمل شوهدا وهما يعرضان بعض الخواتم الذهبية للبيع على بعض محال الصاغة في السوق الكبير هناك .. وزعما أنهما يبيعان الخواتم الذهبية لشخص قريب نزل ضيفاً عليهما وأنهما يعيشان حالياً في مركب فوق شط العرب . وخلال ساعة كان العقيد ( م ) ينطلق مع مفرزة من الشرطة المحلية الى محافظة البصرة . إن أوصاف الخواتم المعروضة للبيع هي ذات أوصاف الخواتم الذهبية التي قطع القاتل أصابع القتيل ليسرقها ، وعندما وصل العقيد الى البصرة التقى مع مدير مكافحة إجرام البصرة الذي كان ينتظره عند مدخل المدينة ثم توجها فوراً الى الميناء ، ثم الى سطح المركب المهجور وكانت المفاجأة : وجدا النشال نائماً .. وعندما أيقظه رجال الشرطة بكى وأنهار واعترف بجريمته كاملة .
قال : كان لابد أن يموت .. بعد أن حولني الى قرد للتسلية !! قال القاتل في إعترافاته : إن صاحب الفندق تعرف عليه وطلب منه أن يؤدي له بعض الخدمات الخاصة مقابل أن يصرف عليه ويطعمه ، لم يقنع بتحويله الى خادم .. بل كان يستدعيه الى غرفته في سهراته ليسمع منه النكات ويثير جوّاً من المرح .. ولم يكتف صاحب الفندق بذلك بل كان بعد أن ينتهي من الشرب يعتدي عليه جنسياً ويلوط به ..وبمرور الوقت كان القاتل يكظم غيظه في نفسه ، كانت أعماقه تموج بالغضب والحقد على الرجل الذي حوله الى قرد يسليه ويؤنس وحدته ويملأ سهراته بالمرح ، وفي ليلة الحادث صعد ( المهرج ) الى غرفة الرجل مبكراً وقبل أن تبدأ السهرة دخل غرفة نومه فوجده مازال نائماً ، وفجأة أستيقظت الثورة في قلب النشال وتجمعت كل مشاعر غضبه وذله ، وحقده .. وجد نفسه يمسك سكيناً ليطعن بها صاحب الفندق النائم .. ولم تقتله الطعنة ، لكنها جرحته وأيقظته لكن النشال لم يمهله ، ظل يوجه اليه الطعنات حتى فارق الحياة .. ورغم ذلك لم يتوقف ..أخذ يضرب رأسه بزجاجات الخمر الفارغة ، وهو يصرخ : لا بد أن تموت .
وعندما أفاق ونظر الى جريمته ، لم يشأ أن يكتفي بأنه روى غليله من سيده ..حاول أن يسرق محتويات القاصة لكنه فشل في فتحها ورأى أمامه الجثة الهامدة، غمد سكينه ليمزق أصابع صاحبها ويستولي على الخواتم الذهبية بعد أن بهره بريقها.
هكذا ارتكب النشال جريمته .. وهكذا سار الى حبل المشنقة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram