الجيل القديم من العراقيين، يتذكر نوعا من القماش يدعى خام الشام، ارتبط استخدامه باندلاع الحروب، وبروز ازمات اقتصادية، تتعلق بقلة الموارد المالية، وعجز الدولة عن توفير المستلزمات الاساسية من الخام والطعام قبل عشرات السنين، فكانت الحكومات وقتذاك، تلجأ الى اعتماد جملة اجراءات لضمان الامن الغذائي، من ابرزها سياسة التقشف الحكومي والشعبي، بحيث تشمل الجميع بلا استثناء من كبار المسؤولين الى بقية عباد الله الاخرين القابعين تحت خط الفقر، كل فرد مهما كان منصبه وموقعه يحصل على حصته من المواد الغذائية، وقماش خام الشام ليفصل ملابس داخلية لكلا الجنسين، وانطلاقا من الشعور الوطني لدى الاوساط الشعبية، وللتعبير عن تضامنها مع محنة الحكومة المتمثلة بقلة مواردها المالية، كان العراقيون يجرون تحسينات على خام الشام بصبغه بالوان مختلفة ليكون ملائما لتفصيله دشاديش للنساء تلائم جميع الاعمار.
بتعاون الشعب مع الحكومة اندحرت الازمات، اقتصر استخدام خام الشام علامة الجمل على الملابس التحتية، لانه اثبت كفاءة عالية، اشادت بها الاجيال، فوضعت ثقتها بهذا النوع من الخام فتفوق على الانواع الاخرى بالتجربة والبرهان فضلا عن عمره الطويل، وتعدد استخداماته فهو يمكن ان يتحول الى بيجاما للنوم، ويسهل لصاحبه ممارسة اي عمل، خصوصا اذا كانت "التجة" غليظة قوية، تمنع حدوث مفاجآت محتملة قد تؤدي الى مواقف محرجة.
من فوائد خام الشام انه الغى الفوارق الطبقية، ووحد المشاعر الشعبية الوطنية تجاه الازمات، ومنح للحكومة ثقة شرائح اجتماعية واسعة، خصوصا ان اجراءاتها كانت عادلة وتشمل الجميع ولم تستخدم الكيل بمكيالين لتطبيق التقشف، الوزير والسفير والمدير العام والعامل والفلاح والكاسب والعاطل عن العمل ارتدوا خام الشام، فكانت وقفتهم مع حكومتهم صادقة وحقيقية، لانها اي الحكومة لم تمنح امتيازات لاحد طبقا للموقع والمنصب وزعامة الحزب السياسي تعاملت مع الجميع وكأنهم اسنان المشط، فساوت بين الاصلع وصاحب الشعر الكثيف، انطلاقا من حرصها على شعبها ورغبتها في تجاوز الازمة باقل الخسائر.
العودة الى استخدام خام الشام باتت تلوح بالافق في ظل تراجع اسعار النفط بالاسواق العالمية، الاقتصاد العراقي المعتمد على النفط في الحصول على موارده المالية يعاني اليوم مشكلة تتطلب اعتماد اجراءات التقشف، لابد ان تبدأ اولا بتقليص الانفاق الحكومي، بمنع شراء الاثاث لمكاتب الوزراء ووكلائهم والمديرين العامين، وخصم خمسين بالمئة من رواتبهم، على ان يشمل ذلك المسؤولين السابقين والحاليين، لانهم خلال السنوات الماضية عاشوا في بحبوحة وشيدوا منازلهم في الاحياء الراقية، واشتروا احدث السيارات، واجروا عمليات تجميل و شفط شحوم للزوجات، ومنهم من ارتبط باكثر من زوجة على سنة الله ورسوله، وارصدتهم في الخارج، لاتعرفها هيئة النزاهة، هؤلاء وغيرهم سبب خواء ميزانية الدولة، واجبار العراقيين على ارتداء خام الشام، وشمر بخير لكنها بحاجة الخام والطعام.
العودة الى خام الشام
[post-views]
نشر في: 3 مايو, 2015: 09:01 م