TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حلم (صلاح القصب) الذي لم يتحقق بعد!!

حلم (صلاح القصب) الذي لم يتحقق بعد!!

نشر في: 4 مايو, 2015: 09:01 م

بعد مرور اكثر من عشر سنوات على آخر عمل مسرحي قدمه المخرج (صلاح القصب) وهو مسرحية (ماكبث) لشكسبير والتي قدمها في حدائق قسم الفنون المسرحية – كلية الفنون الجميلة ببغداد وبرؤية معاصرة تختلف كثيراً عن أية رية أخرى لمخرجي المسرحية السابقين اللاحقين مستخدماً تقنيات المذهب السوريالي – التشظي والتزامن وتعود البؤر وبمفردات تختلف عن المفردات التي اقترحها شكسبير في مسرحيته ، فبدلا من الخنجر الذي يقتل به (ماكبث) الملك (دانكن) استخدم سيارة قديمة تدهس الملك، وشاهدنا آلة كبيرة لقطع الورق وعلامات للارشاد المروري علقها على اشجار الحديقة.
اقول بعد ذلك العمل بقي (صلاح) يحلم باخراج مسرحية شكسبير (ريجارد الثالث) وحاول شتى المحاولات لكي يبدأ بالعمل ولكنه لم يحصل على الجهة التي توافق على انتاج المسرحية ،وحاول مع وزارة الثقافة في اقليم كردستان وحاول مع وزارة الثقافية العراقية ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية ولم يفلح في الحصول على الميزانية المالية التي تسد كلفة الانتاج. وكانت خيبة امل بالنسبة له وهو المخرج المبدع المبتكر الذي تفرد في معالجاته الاخراجية.
أذكر انه كلفني بتقطيع النص الشكسبيري قبل سنوات ونفذت ما يريد وكنت وانا اقرا النص اتساءل ما الذي يدعو (صلاح) لاخراج مثل هذا النص المعقد باحداثه الكثيرة وشخصياته العديدة ومؤامراته المتكررة. وكنت اجيب عن التساؤل بان (صلاح) يريد ان يدين ذلك الملك المعوق الذي سابق الزمن ومارس انواع المؤامرات في سبيل وصوله الى عرش انكلترا، ولكن سرعان ما اراجع نفسي واقول ان (صلاح) لا يهتم بموضوعات المسرحيات التي يخرجها بقدر اهتمامه بالشكل الجديد الذي يمنحه للمسرحية ذلك الشكل الذي يخالف تماماً ما يقترحه مؤلف المسرحية، فله رؤيته الخاصة وتصوره الخاص عن مكان وبيئة المسرحية التي يخرجها . ففي مسرحية (طائر البحر) لجيكوف لم يؤسس لمسرح صغير في حديقة بيت روسي بل قدمها امام هيكل حديدي كبير يمثل دماغ الانسان صممه (نجم عبد حيدر)، وفي (الخال فانيا) لجيكوف ايضا لم يستخدم منظراً يمثل بيتا روسيا ايضا بل استخدم مفردات تدل على مستشفى في مسرح خال من اية مناظر. وفي مسرحيته (الملك لير) لشكسبير لم يستخدم (صلاح) قاعة عرش في مملكة قديمة بل استخدم اقفاصاً متحركة وقطعة قماش بيضاء كبيرة استخدمها الممثلون لتعطي دلالات مختلفة فمرة تعني كفن الميت ومرة اخرى تنعي كثبان رمال وثالثة تعني موجات طوفان ماء. وفي مسرحية (الشقيقات الثلاث) لانطون جيكوف لم يستخدم منظراً لبيت روسي قديم بل استخدم ما يشبه المقبرة في مسرح دائري صغير.
رغم تعدد احداث مسرحية (ريجارد الثالث) وكثرة شخصياتها من الملوك والامراء والملكات والاميرات والاتباع والمعارك التي دارت تاريخياً بين فئة الوردة الحمراء وفئة الوردة البيضاء من اجل الاستيلاء على عرش انكلترا. إلا ان المعجبين بنص المسرحية من المخرجين والمنتجين كثيرون واخرجها قسم منهم بالاسلوب التقليدي واخرجها القسم الاخر باسلوب غير تقليدي، وكان المخرج التونسي (محمد كوكا) من اولئك المعجبين واخرج المسرحية في المسرح البلدي في مدينة تونس العاصمة خلال الثمانينات بالملابس العصرية. وكان (صلاح القصب) قد شاهد العرض واعجب به وتكونت لديه رؤية اخرى لاخراجه كنا نتمنى ان تتحقق رؤياه فنرى عملا مبتكراً يضاف الى رصيده الابداعي ولكن للاسف لم تأت تلك الفرصة . وهكذا غاب (صلاح القصب) عن الساحة المسرحية العراقية في سنوات ما بعد التغيير كما كانت اسماء اخرى لمخرجين مسرحيين بارزين اغنوا الحركة المسرحية بابداعاتهم نذكر منهم اضافة الى صلاح المخرج (فاضل خليل) كما غاب عن الساحة مؤلفون كبار للمسرحيات امثال (يوسف العاني) و(عادل كاظم) و(طه سالم) و(محي الدين زنكنة) و(نور الدين فارس) و(فلاح شاكر) ولم يتبق في الساحة الا الكاتبة والمخرجة (عواطف نعيم) من الجيل السابق وراح يلعب فيها مخرجون شباب لم يبلوروا بعد بصمة واضحة في اعمالهم، وكذلك الحال بالنسبة للمؤلفين امثال (مثال غازي) و(علي عبد النبي)، وهكذا تبقى الحركة المسرحية في العراق منتقصة طالما يغيب عنها كتاب ومخرجون بارزون من اجيال سابقة، صحيح ان المسرح يتجدد ولكل مرحلة تاريخية لها فنانوها ولكن التقاليد المسرحية الرصينة من الدول المتقدمة مسرحيا تقتضي حضور جميع الاجيال فالمسرح الانكليزي لم يترك شكسبير والمسرح الفرنسي لم يترك موليير والمسرح الروسي لم يترك جيكوف. ومازال (بيتر بروك) مخرجا انكليزياً مستمراً في عمله ومازالت فرقة مسرح موسكو الفني تقدم اعمال ستانسلافسكي ومازال مسرح بوليفر انسامبل في برلين يقدم مسرحيات (بريخت) ومازال المسرح الاميركي يقدم مسرحيات ميلر واونيل ووليامز الى جانب اعمال روبرت ويلسون الما بعد حداثوية. اذن يجب ان يبقى عادل كاظم ومحيي الدين زنكنة وفلاح شاكر كتابا مسرحيين وان يبقى بدري حسون فريد وسامي عبد الحميد ومحسن العزاوي وفاضل خليل وصلاح القصب في البرنامج المسرحي العراقي الى جانب الكتاب والمخرجين الجدد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram