في أيام احتلال صدام للكويت انقسم بعض عراقيي "الخارج" بين مؤيد ومعارض. كان أغلب المؤيدين للاحتلال معارضين لصدام ويكفي انهم كانوا قد هربوا منه طلبا للجوء في بريطانيا. قلت لأحدهم، وكان يتعاطى الثقافة والسياسة في آن، ولا أدرى كيف جمع بينهما: لكن الذي اعرفه انك ضحية، فكيف تساند جلادك في هذه الخطوة الفاشية؟ طغى العرق السياسي المتعصب على رده فأجابني بغضب: الكويت أرض عراقية، وان كنت لا تعرف التاريخ والجغرافيا فعد لهما واقرأهما جيدا. لا أحتاج. فقط اهدأ. ولما هدأ ونسي ما دار بيننا سألته "بخبث": ما رأيك بالكويتيين الذين تظاهروا صباح اليوم ضد الاحتلال في الهايدبارك؟ أنهد عليهم كما السيل بالشتائم البشعة وصار يلصق بهم أتعس الصفات السيئة. هنا عدت وسألته: لكنهم أبناء الأرض التي تدعي انها عراقية وتريد ضمها للعراق. لم يجبني بغير: يطبهم مرض. قلت له: يبدو ان الذي يهمك هو الأرض اما الإنسان الذي عليها فلا قيمة له عندك. سألني بحدّة: انت شتريد؟ اريدك تعقل.
تذكرت هذا الحوار العتيق وانا اتابع الأصوات التي ارتفعت اليوم تشتم وتزبد وترعد ضد من تسميهم دعاة التقسيم. عندما تسأل بعضها منهم: ليش؟ يرد عليك لان العراق هذه هي حدوده مذ خلقه الله. على راسي. كل مواطن يتمنى لوطنه ان يظل سالما منعما وغانما مكرما. لكن الحدود يا حضرات لا تعني الأرض التي لا قداسة ولا قيمة لها من دون الانسان الذي يعيش فوقها. ما سألت طائفيا، من الطرفين، متحمسا لوحدة العراق ورفضه للأقاليم الا وكان رده لأنها أرض العراق. طيّب، انت تحب الأرض اذن، لكن ماذا عن الإنسان الذي فوقها هل تحبه أيضا؟ هنا يبدأ الكذب او الوقاحة.
انك فاشي بامتياز لو نظرت للأرض فقط وتريدها لك، اما الذي عليها فعندك "يطبّه مرض". ان هذا الذي عليها إنسان ينتمي الى مجموعة بشرية قد تختلف عنك في القومية أو اللغة أو الدين او المذهب. لها عاداتها وطقوسها وشعائرها وحتى اغانيها الخاصة. انه ليس عبدا من عبيدك او فلاحا عند الخلّفوك. هذه الأرض، التي تدعي حبها، منحته خصوصيات حسب تضاريسها. فابن الهور له عاداته وحتى ملامحه أيضا التي تميزه عن ابن الجبل وكذلك يصح القول عن ابن البادية. هذه المجاميع الإنسانية ان جمعها الحب كوّنت وطنا، وان تسللت لها الكراهية والبغضاء حلّت العداوة والفرقة محلّ الوطن. انها: قل او لا تقل. قل لا اريد للرمادي ولا لأربيل ان تنفصلا عني لا لأنهما أرضي بل لأن الذي يعيش فيهما أخي وتوأم روحي الوطني ومن دونه ما اسوه فلس. اما ان قلت العكس فانت كاذب بدعواك للوحدة للوطنية وفي رفضك للتقسيم.
يا رافض التقسيم: انتبه!
[post-views]
نشر في: 5 مايو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
muneeb
عاش قلمك وعشت