اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نجيب المانع: الجوع للمآثر الإنسانية

نجيب المانع: الجوع للمآثر الإنسانية

نشر في: 5 مايو, 2015: 09:01 م

في مقدمته المخلصة والجميلة يصف صلاحُ نيازي نجيبَ المانع بأنه، كما اختصر نفسه:" أزمان في زمن، قارّات في غرفة واحدة، انهار في قدح، وجبال في تمثال" ويقول نيازي: لم أرَ في حياتي غرفة مكتظة بانسجام .. كغرفة نجيب. لم أرَ في حياتي يُتماً ذاهلاً، كما رأيته في غرفته.. ياه، ما اصدقك في ذلك يا صلاح نيازي، ويا لها من طمأنينة لعارف تلك، التي رقد عنها العظيم نجيب المانع. أقول العظيم واعلم انه لم ينسبها لنفسه يوما، ولم ينسب ما هو أدنى منها، وهو القائل : لقد عشت على هامش العبقريات.
قليلون جداً أولئك الذين يشبهون نجيب المانع سلوكاً وكتابة. ونادرون جداً هم الذين ينسجم سلوكهم مع ما يفكرون به ويكتبون عنه. ومنذ ان قرانا ترجمته لجاتسبي العظيم ونحن نقف أزاء كاتب ومترجم وعارف من طراز خاص. قد لا أبحث عن سبب لهذا لكني أعرف جيلاً من الصادقين، المنسجمين مع ذواتهم في البصرة المتقلبة بخاصة ثلةً من الكبار من أمثال نجيب المانع ومحمود البريكان ومحمود عبد الوهاب وسعدي يوسف ومن ثم محمد خضير. ولا أقصد منجزهم هنا، لكني أذهب الى السلوك الانساني، بوصفه كمالا يبتدأ المشروع الثقافي منه وينحدر عنه. هل أقول إني لم أسمع كلمة نابية من البريكان أو عبد الوهاب او خضير- عشت معهم- طوال رفقة مغنية معهم. اتحدث عن نفوس كبيرة اقترن سلوكها العام بما أنجزته من أدب وثقافة وفكر.
منذ عقود طويلة وانا ابحث عن ضرورة توافر الشرط الإنساني في الذات الكاتبة قبل توافر أي شرط ووجود آخر، لكني غالبا ما أجد القطيعة في الضرورة الأولى، ثم ابحث عن المنجز فلا أجده، ليقيني بان الأعمال العظيمة هي نتاج نفوس عظيمة، غارقة في بهجتها وسعاداتها. يقول المانع : يعرف الذين يعرفونني أن لي هوساً بتراث الانسانية، وهو هوس يكاد يثير غيظ الآخرين، فمنهم من تصوّر ساخراً أن في هذا التعلق بالفنون تعبيراً عن خيبة شخصية في انتاج الفنون فأقول:" ليكن الأمر كذلك" ومنهم من يقول:" إن هذا التيه في البحار الفنية يؤدي الى الغرق حتماً" فأقول:" ليكن الأمر كذلك" ومنهم من ينظر متعاطفاً وهو يقول :" انت تسعى، نحو المستحيل، فليس من يريد كل شيء يحصل على كل شيء: فأقول: يكفيني الجوع للمآثر الانسانية، فهو عندي شبع، لأني اسير على منهج أندريه جيد في "الاغنية الارضية" حين قال: لدى كل نادٍ ينتظرني جوع وعند كل ينبوع ينتظرني عطش".
ظل المانع في كتاب مذكراته (ذكريات عمر اكلته الحروف) وفي كتابه الذي قدّم الدكتور صلاح نيازي مقدمته الجميلة (جسارة التعبير) يؤكد لنا معرفته الواسعة في فنون المعرفة والثقافة دونما إشارة وتصريح منه، فهو حين يتحدث عن الموسيقى مثلا نجد انه يتحدث حديث العارف بأدق التفاصيل، المسكون بجوهر ما تعنيه الموسيقى للنفس الانسانية، فيأتي على ذكر السيمفونيات والكونشيرتات كما لو أنه كان عازفا مع الفرقة هذه او تلك .وساعة يفاضل الكتّاب بين دوستويفسكي وسواه من الكتاب مثلا تجد المانع يدلي برأي القارئ الحصيف المتيقن من قوله، وحين تتباين وجهات النظر يذكر لك آراء من كتبوا عنه في دراية ومعرفة لا توصف دقائقها. ومن يتصفح كتابيه يقع على حقيقة معرفته . وهكذا الأمر مع المعري والمتنبي والجاحظ وبروست وستاندال وفلوبير. نجيب المانع اكبر من أن نتحدث عنه في ورقة او فصل في كتاب.
يقول نجيب المانع : "في كل نهار وفي كل ليلة تموت كلمات وتحيا كلمات، وما كان نوراً يصير ظلاماً وما كان عتمة يتفجر فيه الضوء". هذا الجوع للمآثر الانسانية يختصره صلاح نيازي في السطر الاخير من مقدمته للكتاب بقوله : ظل نجيب المانع منذ عرفته في العام 1957 وحتى وفاته طفلاً، ما فارقته البراءة قط.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram