TOP

جريدة المدى > سينما > أمير كوستوريكا يكتب عن دروس الإخراج السينمائي

أمير كوستوريكا يكتب عن دروس الإخراج السينمائي

نشر في: 7 مايو, 2015: 12:01 ص

 فكرة القيام بتعليم شخص ما كيف يصنع فيلما، هي فكرة طموح ومثيرة ايضاً. لكنها، في رأيي، ليست رائعة نهائيا. لقد قمت بتدريس السينما لمدة عامين في جامعة كاليفورنيا في نيويورك وانتهى الامر باحساس بانه من المستحيل تقديم أية مؤشرات حقيقية عن السبيل لصنع

 فكرة القيام بتعليم شخص ما كيف يصنع فيلما، هي فكرة طموح ومثيرة ايضاً. لكنها، في رأيي، ليست رائعة نهائيا. لقد قمت بتدريس السينما لمدة عامين في جامعة كاليفورنيا في نيويورك وانتهى الامر باحساس بانه من المستحيل تقديم أية مؤشرات حقيقية عن السبيل لصنع فيلم. ومع ذلك، اعتقد بانه من الممكن عرض افلام معينة وتحليلها، مع امثلة محددة للمناظر او اللقطات، كي نتبين كيف يستخدم كل مخرج موهبته كي يصنع فيلما. 

 
بالنسبة لي ، أؤمن ان الدرس الاول والاكثر اهمية لمخرجي المستقبل هو تعليمهم كيف يصيرون مؤلفين، كيف يتعلمون وضع رؤيته (او رؤيتها) داخل الفيلم. قبل كل ذلك، تعد السينما فنا تعاونيا، حيث تتعامل باستمرار مع الشكوك والاراء المختلفة للاخرين. ولدى صناع السينما الشبان غالبا افكار كثيرة رائعة ولكن مع خبرة قليلة للغاية، وما يحدث ان افكارهم هذه تتكسر عندما يواجهون متطلبات الواقع. ولكي تتجنب ذلك، عليك ان تكون قادراً على فهم من انت، ومن اين اتيت، وكيف لكل هذه الخبرة ان تترجم الى لغة فيلمية.
فعلى سبيل المثال، لو انك نظرت الى افلام فيسكونتي (Vesconti)، سترى في الحال اسلوب إخراجه المتأثر بحقيقة اخراجه للاوبرات نفس الشيء مع فيلليني ( Fellini) فيمكنك ان تلاحظ المصمم الرسام خلف المخرج. ومن الواضح ان الطريقة التي كبرت بها في شوارع سراييفو، في اتصال متواصل مع الناس، ومشحونا بطاقة تهمة لا تشبع، قد اثرت في مشواري الخاص بالسينما بدراسة كل افلام صانع فيلم وبفضول، حتى – منذ – الدقائق الخمس الاولى، ستلاحظ ان لكل منهم طريقته الخاصة في كيفية بناء فيلمه لو انك من ثم ميزت وقارنت بين كل اتجاهات صانعي الافلام، في النهاية ستكون قادراً على تحديد طريقك الخاص.
برنامجي
نقدم كل فترة من تاريخ السينما درسا مختلفا لمن يريد دراسته فمثلا، دائما ما ابدا مع طلابي بعرض فيلم "الاطلنطي" لجان فيجو لانني احس انه يمثل افضل توازن ممكن ما بين الصوت والصورة . لقد صور هذا الفيلم في الثلاثينات المبكرة، حيث كان كل شيء لا يزال جديدا نسبيا، وكان الصوت والصورة يستخدمان بقدر كبير من الحذر والاعتدال، الان، عندما اشاهد افلاما حديثة اصدم من كيفية امتزاج كلا العنصرين فهناك مبالغة منظمة اراها غير صحية على الاطلاق. 
بعد الاطلنطي، سانتقل بشكل عام الى جان رينوار (Jean Renoir) – وفيلم – قواعد اللعبة (Laregle du jeu) الذي اعتبره شخصيا التحفة الاعظم فيما يتعلق بالاخراج السينمائي بالنسبة لي، يعد هذا الفيلم ذورة الرشاقة في التعليق، بتاطير منقذ بابعاد بؤرية لا هي طويلة ولا قصيرة، دائما مغلفة برؤية انسانية ، بغنى بصري رائع وبعمق عظيم للمجال اكثر من ذلك، لقد كان رينوار – وربما حتى والده، المصور التشكيلي – الذي اثر في مزاجي للخلق الدائم للتطاير شديد العمق وشديد الغنى حتى وانا اصور لقطات قريبة، فهناك شيء ما يكمن خلقها ، فالوجه دائما موصول بالعالم الذي حوله.
إذا عدت الى برنامجي، سانتقل الى الميلودرامات الهوليوودية للثلاثينات والدروس المذهلة التي تقدمها المتعلقة بالبنية، البساطة، وكفاءة السرد. كانت هناك ايضا السينما الروسية بحسها الرياضي الغالب للاخراج، ثم سينما ما بعد الحرب – الثانية الايطالية مع فيلليني بطريقته في ربط جماليات ممتازة مع نوع من الروح المتوسطية التي تجعل من فيلم ما، متذبذبا وجذابا مثل عرض سيرك اخيرا، هناك السينما الاميركية في الستينات والسبعينات والطليعة، وباسلوب حديث على نحو حازم للسينما، حتى ان مخرجين مثل سبيلبرج (Spielberg) ولوكاس (Lucas) قد انتقلا بها الى خطة اخرى في الثمانينات.
حضور الحياة داخل الصورة
كانت افلامي الاولى كطالب تمتلك تماسكا رائعا على المستوى الفني لكنها لم تكن مثيرة للمشاهدة واعتقد ان واحدا من الدروس الاساسية التي تعلمتها اثناء دراستي السينمائية في تشكيوسلوفاكيا، كان المدى الذي تقف عنده السينما بين كل الفنون الاخرى فيما يتعلق بجانبها التعاوني ، لا اتحدث فقط عن فريق العمل الذي يصنع الفيلم وانما ايضا ما يوضع امام الكاميرا، ما يصنع روح المنظر ويبعث فيه حياة ، اكتشفت باعتباري مخرجا انني املك مجالا متسعا من عناصر تحت تصرفي حتى انني احشد نوعا من الفيسفساء حتى ينعبث وهج فريد فيبعث الحياة في المنظر ، هناك شيء ما موسيقى جدا يتعلق به، كما لو، في استخدام انواع مختلفة من الصوت، كنت احاول خلق احساس متناغم داخل لا شعور المتفرج وليس نقل رسالة منطقية ذهنية. وهذا يفسر لماذا استغرق قدرا كثيرا من الوقت في تحضير كل لقطة ودائما ما اتأنى في تصويري احاول ان اجعل كل مجال العناصر المختلفة متوافقا مع كل مجال المستويات المختلفة الى ان تبرز العاطفة المطلوبة عبر الصورة وهذا يفسر ايضا كل هذه الحركة الكثيفة في افلامي. اكره فكرة ايضاح مشاعر الشخصيات عبر الحوار. اشعر ان العواطف المعبر عنها بالكلمات بديلا عن الافعال هي اداة بسيطة اختارتها السينما مرارا وتكرارا في غالب الاحيان. إنها مثل المرض، لهذا احاول ان اجعل شخصياتي تتكلم قليلا بقدر الامكان، وإذا كان عليها ان تتحدث اتأكد من انهم او الكاميرا سيكونون في حالة حركة. هناك منظر واحد في فيلم "قطة سوداء ، قطة بيضاء" ما زلت شديد الاعجاب به على وجه الخصوص ، إنه منظر لممثلين اثنين يتشبثان بخاتم مطاطي ويعترف كل منهما للاخر بحبهما. فالطريقة التي صورت بها المنظر هي ان يدور الخاتم وتصاحب حركته حركة للكاميرا، وعندي، ان هذه الحركة الدائرية – فالدائرة هي الشكل الهندسي الاكثر روعة في العالم – جعلت اللقطة ساحرية بخلاف الكلمات التي يمكن ان تقولها الشخصيتان الاثنتان كل منهما للاخر.
ذاتية كمبدأ
الخطأ الاسوأ الذي يمكن لصانع افلام شاب ان يرتكبه هو الاعتقاد بان السينما هي فن موضوعي، فالسبيل الوحيدة الصحيحة كي تصيح مخرجا ليس فقط في امتلاكك لوجهة نظر شخصية وانما ايضا ان تفرضها داخل الفيلم. على كل مستوى فانت تصنع فيلمك، كما لو انك تصنعه لنفسك، دائما على امل بطبيعة الحال، ان ما احببته فيه، سيحبه ايضا الاخرون. لو انك حاولت صنع فيلم للجمهور، فانك ان تفاجئهم ولو انك لم تفاجئهم فانك ان تجعلهم يتاملون او يتطورون. ولهذا، يعد الفيلم اولا واخيرا فيلمك هل عليك كتابة السيناريو بنفسك كي تصير المؤلف الحقيقي للفيلم باكمله؟ لا اعتقد ذلك. بل على العكس، فانا اؤمن بان لديك حرية اروع للحركة لو ان كل ما تفعله هو الفيلم. عادة ما اعيد معالجة سيناريو شخص آخر، ولكن في موقع التصوير، اضيف الكثير من نفسي حتى اقوم على نحو منظم بمباشرته. فالسيناريو هو مجرد اساس، ركيزة اتكئ عليها لبناء هندسة الفيلم لم اسمح لنفسي إطلاقا بان اظل محبوسا داخل النص اظل منفتحا على الافكار الجديدة التي يقدمها الممثلون او ظروف التصوير وفوق كل ذلك، ودائما ما اتاكد ان الفيلم سيحتوي على كل انواع نفس العناصر الشخصية. وهذا يفسر الوجود الدائم للهائمين، للاعراس، لفرق موسيقية نحاسية، واشياء اخرى دائما في افلامي. فهذه هي وساوسي التي تظهر بانتظام، تشبه قليلا حمامات السباحة في لوحات هوكني (Hockney) التشكيلية. 
فالعناصر هي دائما ذاتها، ولكنني اعيد وضعها بشكل مختلف في كل مرة كي تروى حكاية اخرى على مستوى تكتيكي ايضا، يعد اخراجي ذاتيا تماماً. فكل مخرج يواجه من الناحية الاساسية، معضلة عندما يحين وقت وضع الكاميرا. فلابد ان يكون هناك قرار فني يتخذ معتمداً على منطق ما وحتى تأويل اخلاقي او اعتماداً على غريزة نقية. 
ودائما ما اجعل غريزتي ترشدني ولكنني اتفهم الاخرين عندما يجدون ان المنطق اكثر ضمانا. على أية حال، ليست هناك بالفعل قواعد – نحوية – سينمائية او بالاحرى هناك مئات منها، طالما ان كل مخرج يبدع قواعده او يبتكر قواعده الخاصة.
على الكاميرا ان تقرر كل شيء 
عندما اقوم بتحضير منظر ما، دائماً ما ابدأ بتحديد موضع الكاميرا، طالما انني اؤمن بان الاخراج يتضمن اولا وقبل كل شيء التحكم في المكان، وماذا تريد ان تراه داخل هذا المكان هذا هو اساس كل سينما الان، يجب ان يمارس هذا التحكم في المكان عبر الكاميرا وعلى الممثلين ان يتمثلوا للتأطير السابق التحضير، ولي لأي طريقة اخرى فأول كل شيء، ولأسباب عملية فان من الايسر ان تطلب من ممثل ما ان يتكيف مع المحددات البصرية عن التكيف مع الجانب التكتيكي من افكار الممثل وحينها، ستقوم الكاميرا بمساعدة المخرج في توجيه الممثلين بمعنى، لو انه يعرف كيف يفرضها كعين للمنظر، فانه يعطي للممثلين نقطة مرجعية تجعل من كل شيء بسيطا وواضحا، فالكاميرا هي حليف المخرج طالما انها مصدر قوته، إنها النقطة التي يحدد على اساسها كل قراراته حتى ولو كانت مع ذلك اعتباطية.
في رأيي الخاص، فان الخطأ الذي يرتكبه المخرجون المبتدئون هو التعامل مع السينما باعتبارها شكلا من مسرح مصور فيكونون شديدي الامتنان لعمل الممثلين.
حتى انهم يجعلون منه الافضلية ولا يتمكنون من فرض وجهة نظرهم البصرية وعادة ما يشتغل هذا الميل ضدهم، طالما ان الممثلين في حاجة لمن يوجههم وفي احتياج للتأطير داخل مكان متغير الحدود فالمخرج الذي يسمح لممثلين بان يظلوا مطلقي السراح سيجد نفسه في الحال ضعيفا وغير حاسم، وسيسبب ذلك لهم الذعر والهلع.
في نفس الوقت عليك تجنب ضيق الافق، فعندما يكون من المهم للغاية الاقتراب الملموس من تصوير منظر ما، فانه من الاهمية القصوى ايضا، ان تصير مستقبلا لمفاجآت وافكار من خارجك وبينما اعرف دائماً ما سيكون عليه المنظر الذي اريده، فمن النادر ان اتمكن من تخمين ما سيتبدى عليه في النهاية.
اقترب من كل فيلم كما لو أنه اول فيلم 
لأي مخرج هدف جمالي واحد فحسب عند صنع فيلم ان يتحفز بما ينوي تصويره اعرف انه منظر رائع عندما اشعر بدقات قلبي اسرع ونفس مبرر صنعي للافلام هو شعوري بهذا الاحساس. احتاج للعبور الى العالم بفعل تقديم الفيلم. وعندما اصنع ذلك، أؤمن بان ذلك الاحساس يمر عبر الشاشة، وان المتفرج سيشعر به بدوره ولتحقيق هذا، برغم ذلك اعتقد انك في حاجة للاقتراب من كل فيلم كما لو انه فيلمك الاول.
تجنب الوقوع في الروتين، ولا تقف ابداً للاستكشاف او للاستنباط ومع الخبرة صار الامر سهلا للغاية ان تعود للعادات القديمة وللتغير البسيط للعدسات كي تخلق ديناميكية جديدة. لكن عليك ان توقف نفسك عن فعل ذلك فمثلا، ارفض دائما تغطية منظر ما فاقرر طريقة واحدة للتصوير واثابر عليها، حتى لو ان ذلك سيسبب صداعا اثناء التوليف. فانه تحد متواصل ولكنه يجبرني على التفكير في القرارات التي على اتخاذها في موقع التصوير ولا اتردد ابدا في الدفع باية فكرة الى منتهاها . هناك اوقات عندما كنت اجادل بشأن رد الفعل المتأخر للقطة، لكنني اجبرت نفسي على سبر الغور الى اقصى حد، للدخول الى القلب، لنفسي جوهر المنظر وهذا يفسر كيف انتهت بي الحال الى تصوير خمس عشرة او عشرين لقطة من اجل لقطة واحدة.
اعرف ان ذلك كثير جدا. إنه عدد ضخم وهو مخيف بالنسبة للمنتج ولكن عندما اكتشف ان ستانلي كوبريك (Stanley Kubrick) يصور خمسين لقطة في فيلمه الاخير، فذلك يبعث الطمانينة في نفسي.
 تحرير: لوران تيرار

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram