هناك امرأتان غيَّرتا حقاً الإمكانات اللازمة لشكل القصة القصيرة في القرن العشرين. تقول الكاتبة الإسكوتلندية آلي سمث في مقالها هذا، إحداهما الكاتبة النيويوركية غريس بالَي، التي توفيت في عام 2007 التي تُعد قصصها نوعاً من الحاجة الماكرة إلى حوارٍ مع التا
هناك امرأتان غيَّرتا حقاً الإمكانات اللازمة لشكل القصة القصيرة في القرن العشرين. تقول الكاتبة الإسكوتلندية آلي سمث في مقالها هذا، إحداهما الكاتبة النيويوركية غريس بالَي، التي توفيت في عام 2007 التي تُعد قصصها نوعاً من الحاجة الماكرة إلى حوارٍ مع التاريخ، والسياسة، وبوجهٍ خاص مع قارئ هذه القصص. ولكونها قطعاً من حياة جريئة ، فإنها تزيد في الإيحاء بأن الحوار ليس مصدر الفن والحياة فقط ، بل وكذلك المكان الذي يجيء فيه هذان الشيئان معاً. وهي لا تكتب إلا قصصاً قصيرة، لأن " الفن طويل جداً والحياة جــدّ قصيرة ".
لقد قابلتُ غريس، تقول سمث: أربع مرات، في سنواتها الأخيرة وكانت شخصاً بوسعه أن يغيّر الجو في غرفة، كانت دافئة وصعبة المزاج، وكانت شخصاً متيناً وصغيراً لكن بقوة تقدر بحجم كوكب، قوة صقل جيدة، قوة كانت تجعل القلب أكبر. وقصصها شبيهة بها، فهي تمضي حول العالم متواضعة في حجمها ومتسعة مع هذا بتأثيرها، وعنيدة، ومصممة وملتزمة برؤية الأشياء على نحوٍ أفضل.
أما كاثرين مانسفيلد، فقد احترقت حياتها غضباً بسرعة فائقة؛ ويبدو موتها شابةً، من مرض السل وهي في أواسط الثلاثينيات من عمرها، أمراً سخيفاً، لا يُدرك غوره، في ضوء حجم النتاج الذي أنجزته. وما تزال قصصها مؤثرةً في أصالتها، وربما ما تزال أيضاً لا تبارى في دقتها التركيبية، وعرضها المعقد لأعمال التعبير، وإدراكها ما هو مهلك : " الواقعية، لحم غطى عظاماً ... لكن على افتراض أن عظام الواحد لم تكن عظماً ، بل ضوء سائل ".
إنها لم تغيِّر فقط إمكانية القصة القصيرة، بل أعتقد بأنها غيَّرت الإمكانية لشكل الرواية أيضاً. وباعتبارها دخيلةً على الدوام، " مستوطِنة صغيرة " في لندن، تنسل من عاشق إلى عاشق من كِلا الجنسين ودائماً على هامش الجماعة التي تسمّيها ضاحكةً " توت الأزهارBlooms Berries "، فإنها كانت على علاقة تنافسية حميمة مع فرجينيا وولف.
فقد نشرت وولف في الأول " مقدمة Prelude " لمانسفيلد وأُعجبت بكتابتها إلى حــدِّ الحسد؛ وكانت مفتونة بطريقة عيش مانسفيلد السريعة جداً وأخلاقيات عملها العسيرة ،غير أن العرض النقدي الذي كتبته مانسفيلد حول رواية وولف الثانية البطيئة الاستيعاب " الليل والنهار " عام 1919، لم يجعل وولف تتقـد غضباً فقط. فأنا أعتقد بأنه جعلها تفارق الأسلوب التقليدي وتبدأ بكتابة الروايات الحداثية التي جلبت لها الاستحسان بحــق.
وقبل سنتين ظهر المجلد الخامس والأخير من مجلدات ( الرسائل المجموعة Collected Letters " لمانسفيلد، الذي حرره فنسنت أوسوليفان ومارغريت سكوت؛ وهو يغطي السنة الأخيرة من حياتها، حين كانت مريضة بشكلٍ يُرثى له، وحين أخرجت نفسها خلافاً لكل نصيحة من لندن الأدبية إلى مجمَّع غَرجيف قرب فونتينبلو، وهنا راحت ترسم المناظر الطبيعية، وتحلب الأبقار، وتتفرج على أداءات الرقص، وتحاول أن تفلح في قول " أنا أحتاج إلى حطب، إنها باردة جداً " باللغة الروسية. فيا له من كتاب ــ إنه يعرض، حتى أكثر من المجلدات الأخرى ، روحها النشطة، الوثابة، الرائعة، وهزلها الذي لا يُصدَّق. فهي، تحت الضغط الكثيف جداً، إيثار تام، وطاقة، وانتعاشة، قبل أن ترحل.
عن: INTELLIGENT LIFE