أن يدعوك أحد الفنانين لزيارة مرسمه والاطلاع على لوحاته وآخر مشاريعه الفنية فهذا أمر طبيعي ويحدث دائماً ، أو أن يرحب بك صديق مقرب وأنت تدخل داره الجميلة الدافئة فهذا أيضاً يمكن أن يصادفك على مدار السنة ، لكن حين تكون الدعوة لزيارة البيت الذي عاش فيه الفنان ريمبرانت فهذه المسألة أكثر من نادرة وستكون الزيارة تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
مع الكثير من الخواطر والأفكار وصلت الى بيت ريمبرانت في أمستردام والذي تحوّل الى متحف باسمه ، وقفت على أعتابه وأنا أهمّ بالدخول وقد لاحت في ذهني تفاصيل كثيرة عن هذا الفنان العملاق وعن حياته ولوحاته الخالدة ، أتجاوز العتبة حيث تقع عيناي على باب البيت ومدخله وجدرانه ، هل أنا حقاً في بيت ريمبرانت؟ هل هذا هو بيت أعظم فنان في التاريخ؟ هل أن لوحاته المدهشة التي رأيتها في متحف رايكس ميوزيام قد رسمها هنا؟ كم مرة ياترى دخل ريمبرانت من هذا الباب ولمس ذاك الحائط وكم لمسة سحرية من فرشاته أخذت طريقها الى قماشات الرسم في هذا البيت؟ ريمبرانت الذي اشتريت أول كتاب فني في حياتي عن أعماله وها أنا أقف الآن على عتبة بيته لأهمَّ بالدخول وتحسس سحر تلك الأيام الخالدة من سفر الفن العظيم. دائماً ما أعتبر نفسي محظوظاً لأني رأيت الكثير من المتاحف والأعمال المدهشة ، لكن بيت ريمبرانت حيث عشق ساسكيا وتزوجها أمر مختلف والدخول الى المكان الذي رسمت فيه أهم لوحة كلاسيكية وهي (الحراسة الليلية) أمر يتعدى حدود الدهشة والأنبهار.
هكذا وجدت نفسي وسط البيت وبين محتوياته ، أنتقل من هذه الصالة الى تلك القاعة ومن الطابق الأرضي الى الطابق الثاني حيث مرسمه المقدس. بدأت بالطابق الأول حيث عرضت مجموعة من أعماله وأعمال مجموعة من الفنانين الذين يقتني أعمالهم وكذلك عدد كبير من لوحات تلاميذه الذين اصبحوا أساتذة فيما بعد . ألقي أول الأمر نظرة جانبية على المطبخ الذي يقع في الجانب الخلفي من البيت بكل تفاصيله وأدواته التي تعود الى القرن السابع عشر ، ثم أنتقل الى أقصى اليمين لتظهر غرفة صغيرة فيها كرسيان وطاولة ولوحات معلقة على الجدران ، كان ريمبرانت يستخدم هذه الغرفة للقاء الزبائن الذين يعرض عليهم لوحاته الجديدة ويعقد معهم صفقات بيع أعماله. في الجانب الأيسر من البيت أضع قدمي على سلّم ضيق ودائري لأصل الى الطابق الثاني حيث تواجهني مباشرة غرفة صغيرة خصصها ريمبرات لأعماله الطباعية التي يحتوي المتحف على أغلبها حيث يعرض 260 عملاً من مجموع 290 عمل أنجزها في حياته ، على يسار هذه الغرفة ببضعة أمتار يظهر مرسمه الكبير الذي يحتوي على أدواته والكثير من المواد التي كان يستعملها ، وتظهر في زاويتين من المرسم الإطارات التي كان يتم تحضير الكانفاس عليها ليكون جاهزاً للرسم ، وعلى اليمين مساحة كبيرة خصصت لصنع الألوان المطحونة من الحجر والتي تمزج وتصنع فوق حجر كبير أملس يظهر شاخصاً بين الأحجار الصغيرة الملونة . لكن الأستاذ الكبير وحسب تقاليد الرسم الهولندي لا يصنع الألوان بنفسه بل يقوم بهذا العمل تلاميذه الذين يعلمهم الرسم ، فهذا يطحن الحجر وذلك يمزح المسحوق مع زيت الكتان فوق الحجر الكبير الناعم ، وهناك قسم من التلاميد يقومون بتنظيف المرسم وتهيئته بشكل جيد لليوم القادم حيث يبدئون الرسم مع أستاذهم من جديد .
بعد ساعتين محملتين بعطر ريمبرانت والماضي أخرج ليلوح لي في الركن المجاور للبيت مقهى صغير كتبت على يافطته (ركن ريمبرانت) ، أختار طاولة صغيرة وأطلب فنجان قهوة وأنا أفكر بأجواء القرن السابع عشر والرسم الهولندي وأشعر أن هناك خيطاً يربطني بهذا البيت الذي عاش فيه فناننا قرابة 20 عاماً رسم خلالها أعظم وأهم أعماله .
هل أنا حقاً في بيت الفنان ريمبرانت؟
[post-views]
نشر في: 15 مايو, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
عبد العزيز الحيدر
الصديق العزيز ستار قبل سنتين دعوتك ان تزور بيت رامبرانت.... اغريتك بقصيدة تمنيت عليك ان يترجمها احد اصدقاءك الى المحلية الهولاندية وان تجد طريقها للنشرافي امستردام تحياتي لك وللمدى في امستردام عبد العزيز الحيدر (الى ذكرى رامبرانت الساحر) في ازقه الدا
أدهم ميران
الصديق الفنان ستار كاووش، لقد أدخلتنا في مقالك الرائع والساحر عن الفنان الاسطورة ريمبرانت الى اجواء طالما حلمنا بها، ولكن سردك وتدوين انطباعاتك على هذا النحو انتشل كل فرد فينا قرأ مقالك الى الزمان والمكان الذي عايشت فيه منزل ريمبرانت زرت فيه مرسمه ورأيت أ