TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > حين يندحر الموت أمام الاستشهاد

حين يندحر الموت أمام الاستشهاد

نشر في: 28 ديسمبر, 2009: 03:25 م

جلال زنكَابادي إني لم أخرج أشراً ولابطراً ولامفسداً ولاظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي رسول الله(ص) وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق؛ فالله أولى بالحق. ومن ردّ عليّ هذا؛ أصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم بالحق؛
فالله أولى بالحق وهو خير الحاكمين الحسين (ع) حقّاً لاأبلغ ولاأفصح في التعبير عن ماهية الثورة الحسينية ومغزاها من البيان العقائدي الثوري أعلاه! والذي كان وصيته التي أودعها لدى أخيه محمد بن الحنفية؛ بعد عزمه على الخروج من المدينة المنوّرة إلى مكّة المكرّمة. وإن كان لابدّ من تبيان وإدراك المغازي: السياسية، الدينية ،الأخلاقية والإجتماعية لتلك الثورة المباركة؛ فإن الحسين السبط (رض)(3أو4هـ - 61هـ) لم يثر إبتغاء مطمع شخصي أو عائلي أو ماشابه ذلك؛ لأنه نشأ أصلاً على تكريس ذاته لنشدان العلم والمعرفة والعبادة والزهد في السلطة والمال، وهنا تنجلي حقيقة ثورته الإصلاحية - التصحيحية بوسع وعمق معنى العبارة؛ فقد توخت الذود عن مبادئ الدين الحنيف وقيمه الإنسانية الجليلة،التي طالما انحرفت عنها السلطة الأموية الجائرة، بل مسختها بممارساتها الشنيعة، وخاصة بارتكازها على الأجهزة القمعية. لقد ثار الحسين إستجابة لمطامح سواد الشعب،الذي كان يعاني شظف العيش والهوان، ولم تجد معه شتّى ألوان الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب موت في عزّ، خير من حياة في ذلّ وثمة تجسّد رفضه الواعي للعيش الرغيد الخسيس في ظل الخنوع؛ إذْ أجهر: - إن مثلي لايبايع سراً ؛ فـ مثلي لايبايع مثله حين دعاه الوليد بن عتبة وإلى المدينة إلى بيعة يزيد بن معاوية (لع) هكذا إذنْ دوّى صوته الواعي الجريء معلناً إنتفاضته على السلطة الإستبدادية الفاسدة الغاشمة، بلاخشية من جبروتها وبطشها، وهي التي ما برحت تمارس سياسة تجويع سواد الشعب وإذلاله واختلاس أموال المسلمين لهدرها في الملذات وقمع الأحرار وتشريد ذوي العقيدة وشراء الذمم الرخيصة وتحريف الدين وتمزيق وحدة المسلمين بالتمييز العنصري ضد غيرالعرب، بل وإفنائهم، ناهيكم عن ممارسة فرّقْ؛ تَسُدْ حتى بين القبائل العربية نفسها! ولئن إندلعت ثورة الحسين المؤازر المستميت للحق ضد: الباطل، الإستغلال، الإضطهاد والإنحطاط الأخلاقي والإجتماعي؛ فقد أضحت قدره المحتّم، الذي لامفرّ منه؛ في سبيل إيقاظ أمّة ضلّت عن طريق الحق والهدى؛ ما دام سفهاؤها وفجّارها أضحوا سراتها وتولّوا أمرها واتخذوا الفاسقين حزباً …أجل؛ فقد وجد الحسين(ع) نفسه وجهاً لوجه أمام الضرورة التاريخية؛ فسارع يلبّي نداء التاريخ مؤدّياً رسالته المتمثلة بالدور التاريخي الذي وجب عيله أن يضطلع به، ألا وهو أن يثور؛ ليوقظ بثورته ضمير الأمة ويهزّها بعنف؛ لأنّها طالما انحنت وتخاذلت مسلوبة الإرادة ومهدورة الكرامة أمام جبروت السلطة الأمويّة الغشومة. بداهة ليس في المقدور سرد وقائع الثورة الحسينية وأحداثها الملحمية، التي تضيق هذه المقالة بعرض أصغرها( مثلما سردها أبو مخنف الأزدي وإبن عساكر وآخرون…) إنّما لامناص من بضع لمحات خاطفة لتجسيد الدلالات والمغازي الثرّة، لاسيما ذات المساس بما قبيل الفاجعة وخاتمتها المأساوية. هو ذا الحسين البطل الأسيان يلهج : - ألا وإني قد أعذرت وأنذرت. ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدو وخذلان الناصر! حين أدرك أنّ قوى المال والسلاح قد اتحدت ضد الثوار، الذين لم يبق منهم سوى كوكبة صغيرة؛ بعدما انفضّ عن بيعته ذاك الحشد الغفير من أولئك الذين استصرخوه على جلاديهم ثم انكفأوا مع هؤلاء الجلادين عليه! - خذلتنا شيعتنا! لقد لفظها الحسين بحسرة مريرة؛ إثر انقلاب قرابة الثمانية عشر ألف مؤيّد له، لكنه مع ذلك أضاف متيقّناً: - ومن نكث؛ فإنما ينكث على نفسه! وبالفعل أثبتت أحداث التاريخ لاحقاً صواب استشرافه النفّاذ…وفي ذلك الوقت الحرج جداً، لم يثنه عن عزمه ماصورح به: - …أمّا أشراف الناس فقد طمّت رؤوسهم بالمال، وأمّا سائر الناس فقلوبهم معك وأسيافهم عليك! ومثلما خاطبه الشاعر الفرزدق : - قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أميّة ! وإذا بالحسين ذي الموقف الشجاع يجيب: - هيهات منّا الذلّة طبعاً قد قصد بذلك : مرحى للمنايا ومصارع الكرام وسحقاً لطاعة اللئام ..وهنا لابدّ من التأكيد على ان قتلة الحسين وصحبه كانوا أخلاطاً من الناس، أغلبهم من أهل الكوفة، ممّن استنفرهم عبيدالله بن زياد، وليس كلّهم من هذه الطائفة أو تلك حصراً( ونقصد كلتا الطائفتين: السنّة والشيعة) أمّا لماذا استجاب الإمام الحسين (رض) لدعوات أهل الكوفة الملحاحة، وهو غير متيقّن من ثباتهم على المبدأ والموقف؟! فقد دفعه سبب آخر أقوى بكثير، ألا وهو لم يكن له مفرّ من الذهاب إلى الكوفة؛ لأن والي مكة آنذاك ( محمد بن سعيد الأشدق) كان قد أرسل عشرين رجلاً من جلاوزته لقتله، آمراً إيّاهم: - أقتلوا الحسين ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة ! ولئنْ أبى الحسين الإستسلام؛ فقد إستشرف ما ينتظره مع رفاقه(الذين ماكانوا يبلغون المائة) من مصير تراجيدي محتّم في تحديهم الجسور للموت: سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى إذا ما نوى حقّـــاً وجاهــدَ مس

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram