قبل أن ينهي احدهم بيت قصيدة الشاعر أبي القاسم الشابي "إذا الشعب يوما أراد الحياة" قاطعه آخر "يابه دطير" وثالث طلب من زميله أن يتولى واجبه في حماية امن المتظاهرين ، لان "الحاته" اتصلت به تلفونيا للقاء سريع وعاجل، ورابع استجاب لنداء صاحب "الكيا" المتوجه إلى البياع ، فاستقل السيارة بعد ان أعطى لافتة لآخر، وخامس بح صوته من ترديد شعار "الشعب يريد إصلاح النظام" من دون أن يسمع جوابا من الآخرين، وبهذه النهاية الميلو درامية ، انتهى فصل الربيع العربي ، وتبدد الغضب و تلاشى الاحتجاج ، وادرك رافعو شعار اسقاط النظام او اصلاحه بان القضية بحاجة الى توفير ظروف موضوعية وذاتية وتحشيد شعبي ، وضم القوى الديمقراطية بتيار موحد لتحقيق أهدافها عبر التظاهرات السلمية ووسائل الضغط المتاحة ، بعيدا عن العنف، وعلى هذه القاعدة ضربت السلطة المستبدة شعبها وجعلته يرى نجوم النهار، فالتحقت بنت نعش العرجاء بأخواتها ومر الربيع وبعده الصيف ثم الخريف فالشتاء ، ولم تستطع القوى الديمقراطية لملمة شتاتها، للتوصل الى موقف موحد يعبر عن الاحتجاج والاستياء في اقل تقدير "يابه دطير".
المتفائلون بحياة سياسية مستقرة في العراق يراهنون على تمرير تشريعات تتعلق بقانون تشكيل الأحزاب وإجراء التعديلات الدستورية وتغيير النظام الانتخابي ، في حين يرى آخرون وهؤلاء ليسوا من المتشائمين، وإنما أصحاب نظرة واقعية للمشهد السياسي، أن هناك دوافع وراء تعطيل تلك القوانين وعرقلة تمريرها من قبل مجلس النواب، لان كتلة كبيرة ستفقد مكاسبها وتفشل في تحقيق أهدافها، عندما يحصل اتفاق موحد على إقرار تشريعات تزيل الغبار عن صورة الديمقراطية فتظهر بشكلها الحقيقي، وتكون حينذاك معبودة الجماهير ، ولكنها ولشديد الأسف سوف تكون متجهمة الوجه صارمة الملامح أمام دعاة تشكيل التيار الديمقراطي الموحد المؤمن بالتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وعند إعلان نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة لن يحصلوا على مقعد أو"مخدة" في مجلس النواب، وستكون المقاعد من حصة الكتلة الكبيرة من وزن الفيل.
تسع سنوات مضت من الزمن الديمقراطي العراقي ، وتراجع الأداء الحكومي والبرلماني برز بشكل لافت، في كل يوم أزمة، والصراع محتدم ، والمنطقة تلتهب ، ومصيرها مجهول، واحتمالات اندلاع الحرب قائمة، وعلى هذا الإيقاع الصاخب حصل اصطفاف طائفي بين دول إقليمية، وخطورته في امتداد جذوره بين أبناء الشعب الواحد، وهذا المقطع المرعب من الاضطراب لم يحفز النشامى من ساسة العراق على تجاوز الخلاف ، وأصبح اتفاقهم بحاجة الى المزيد من الوقت، وفي حال تحقيقه سيتم إعلان ترحيل الأزمة الى ما بعد خوض الانتخابات التشريعية المقبلة.
بالتحاق بنت نعش العرجاء بأخواتها، حصل تغيير في الظواهر الفلكية، والتشريعات المطروحة امام مجلس النواب خضعت للشد والجذب ، لا القوى الديمقراطية توحدت ، ولا الاطراف المشاركة في الحكومة توصلت الى حلول لحسم الملفات العالقة ، وبعضها اخذ يلوح بتشكيل حكومة أغلبية سياسية على أساس ضمان تمثيل المكونات بمعنى محاصصة بشكل آخر وحينما يتحقق هذا الخيار سترفع الكتل المتضررة شعار "الشعب يضرب تحت الحزام" في الزمن الديمقراطي.