نصف فرصة مضمونة أفضل من الرهان على فرصة كاملة لا تؤمَن نتائجها، هكذا خبرت البشرية الحياة بصفحاتها المفاجئة من دون أية محاذير مسبقة لكن الشاطر من يلتقف المبادرة ويسارع للتنفيذ رغبة بالخلاص من المأزق بعيداً عن المزاج الفكري الذي غالباً ما يخضع لضغوط الميول الاجتماعية والسياسية والنوازع الشخصية من أجل اثبات الذات على حساب خسارة أمل منتظر.
وبالرغم من مضي اثني عشر عاماً على تأثير كرة القدم في المجتمع العراقي بصورة فاقت تأثيرات التحوّل الوطني المشهود لشرائح مختلفة تنشد تغييراً شاملاً في الوطن يخلّصها من العُقد والسلوكيات الدخيلة عليه، بل وإن اللعبة دخلت التاريخ فعلاً بإسهامها المباشر في وئد الفتن وغسل دماء الحرب الطاحنة عن وجه بلاد الرافدين، بالرغم من كل ذلك فإن البعض للأسف لا يستشعر دوره في سلخ كرة القدم من واقعها الوحدوي لجميع المدن ويبادر بذهنية أرهقها العِناد الى خيارات تنقصها مقومات حيوية لبناء مشروعه والمجازفة بورقة خاسرة من الأساس وهو يعرف ذلك جيداً!
وبما إن المعنيين بملف رفع الحظر دأبوا منذ شهرين للشروع بتحركات سريعة للقاء رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر وانتزاع موقف مسؤول منه ربما لن يكون ملزماً على بقية اعضاء المكتب التنفيذي المؤمل انتخابه نهاية أيار الحالي سواء بقي بلاتر أم خسر باعتباره يمثل صوته فقط، فإن المبادرة الوطنية تفتقد الى خيار ثالث مهم في خارطة اللعبة وهي مدينة أربيل التي سبق ان شهد ملعبها رفعاً للحظر الجزئي واستفادت منه منتخباتنا (الوطني والأولمبي والشبابي) في توظيف الارض والجمهور لمصلحتها خلال منافساتها القارية والدولية قبيل ان يصدر (فيفا) قراراً يمنع بموجبه اللعب الرسمي في جميع مدن العراق بمسمى (الحماية) عقب مقتل مدرب فريق كربلاء محمد عباس في مباراة ضمن دوري الكرة الممتاز.
إن استبعاد خيار أربيل لا يحتمل أي مبرر مهما تفنن البعض في صياغة الاسباب التي لن تكون بمعزل عن الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد منذ حزيران الماضي حتى الآن، وبالتالي علينا ان نكون واضحين مع الرأي العام ولا نهرب من الحقيقة، فأربيل تمثل نصف الفرصة المضمونة للكرة العراقية لرفع الحظر الجزئي الذي يتيح لمنتخبنا الوطني استعادة حقه في اللعب على ارضه قبل انطلاق تصفيات كأس العالم 2018، وهناك لجنة دولية مشكلة من اعضاء في الاتحادين الدولي والآسيوي زارت المدينة قبل ثلاثة اعوام ومنحتها علامات كاملة أهلتها لتضييف المباريات الدولية الودية والرسمية لوجود بُنى تحتية حديثة ومرافق ومستلزمات تنظيم اللعبة باحترافية عالية وفق شروط (فيفا) لا تقارن مع أية مدينة عراقية أخرى.
إن الخطوات المتقدمة التي بذلتها وزارة الشباب والرياضة في خطة اعمار وترميم ملاعب بغداد والبصرة والنجف وكربلاء وغيرها مع المساعي الجادة بإنصاف ملاعب المدن جميعاً من دون تمييز يشكل علامة فارقة في منهج الوزارة التي تعد مكملة لمسيرة سابقتها بهدف احياء الرياضة التي تكاد تلفظ انفاسها من دون منشآت نظيفة وصالحة لممارسة اللعبة، لكن تحدي الوقت المطلوب لاستكمال ملعب المدينة الرياضية في البصرة المقترح تضييفها المباراة الدولية الودية وهو يعاني نقوصات عدة ليس من السهل تذليلها قبل ايلول الموعد المقرر للمباراة والتي يراد منها تقييم استعداداتنا لرفع الحظر الجزئي عن المباريات الودية فقط نراه تحدياً أشبه بالانتحار سيقتل الفرصة التي تطمع بها الوزارة لرفع الحظر في وقت تتوفر لدينا نصف فرصة في أربيل تمكن لاعبينا من نيل الدعم الجماهيري في التصفيات قبل أن نستضيف منتخب الصين تايبيه على ارضنا المفترضة (أحد ملاعب ايران) في الثالث من أيلول المقبل فبعد خوض المباراة هناك لا يحق لنا العودة للعب على ارضنا حتى لو تم كسب القرار برفع الحظر عن ملاعبنا بحسب تصريح رئيس اتحاد كرة القدم الأسبق حسين سعيد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد الآسـيوي (2002 – 2011) والمتمرس في شؤون اللجان العربية والقارية والدولية.
ندعو وزارة الشباب والرياضة واتحاد كرة القدم الى التحرك الجاد مع لجنة الطوارئ في (فيفا) قبل اجتماع الكونغرس المقرر 29 أيار الحالي لكسب نصف الفرصة المحققة لرفع الحظر عن المباريات الدولية الرسمية والودية في أربيل لمصلحة منتخبنا الوطني انسجاماً مع وعود رجال مهمين في الاتحادين الدولي والآسيوي ضمنوا صوتنا في الانتخابات وعلينا ان نسقط عنهم أية ذريعة ربما تستغل في ملفي بغداد والبصرة للمضي بمشروعهم الظالم في حرمان أسود الرافدين من الانتشاء بهتافات جماهيرنا وهي تفدي الروح والدم من اجل العراق.
أربيل.. وخيار الانتحار!
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2015: 09:01 م