TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > عاشوراء مشاع إنساني عظيم

عاشوراء مشاع إنساني عظيم

نشر في: 28 ديسمبر, 2009: 03:57 م

هاني فحص كنت قد أدرت ظهري فشدني صوت عباس بيضون: نريد شيئا منك عن عاشوراء، نريد (المعلوم السنوي). قلت له: أنا بصدد بحث.. قال: لا نريد بحثا نريد قلبا، أكتب لنا قلبك.. وأنا اعرف ان عباس بيضون يؤمن بقلبي، يحب قلبي وما فيه، فهل هو يحبه لأنه نقيض قلبه او شبيهه؟
إذاً، فقد انكشف عباس امامي هذه المرة بشكل نهائي... او قل صوابا بأني انكشفت امام عباس، او امامي (أنا).. ما هي المفارقة؟ إنها أني رجل دين يصلي ويصوم وينافح عن الدين ويجيب اهل الاسئلة عن احكامهم الشرعية و... و... ويسمع تعزية في الحسين ويقرأ الحسين ويكتب ويخطب في عاشوراء عن الحسين.. إذاً، فالحسين اختصاصي.. حسنا.. ولكن الامر قد تفاقم الى حد ان اصبح (خاصتي) لي.. ومن أراد ان يتعاطى معه فما عليه إلا ان يأتي الى بيتي، الى عقلي، الى خطابي، ليتعلم كيف يقرأ او يكتب ويسأل ويبكي ويختار ألوان ملابسه في عاشوراء.. وإلا فذنبه على جنبه، وعلى نفسها جنت براقش.. ولماذا تتجرأ براقش، وهي مدينة حليقة اللحية، ترتدي ثيابا انيقة وربطة عنق على ياقة منشاة، على الكتابة عن الحسين وعاشوراء، معترضة على مبالغة هنا ومراوغة هناك وباطنية هنا وفجاجة هناك، ونزوع متفاقم الى الانغلاق ونفي الآخر من نطاق المشترك المائل الى مزيد من التوسع، يقابله إلحاح على التضييق، مركبا على قراءة انتقائية للتاريخ.. تقرأ المضاف في لحظات الارتباك والالتباس الى سيرة الحسين (ع) وأهل البيت، مما يمكن او يحسن تصنيفه في تراكمات الدين الشعبي الموازي الذي يتورم في حالات اشتداد الخناق على المتدينين به، وتقرأ الموضوع او (المرسل) وكأنه لا قيد له ولا مصدر من المرويات التي فتحت حدود المقدس على العواطف والأمزجة حتى كاد المقدس يفقد تعريفه، ليعود امرا استحسانيا محكوما بالمزاج.. إذاً، وهذا ما يبدو لائحا في الأخوة، مبالغات من اجل المزيد من تعصيب الجماعة المذهبية الخاصة تمهيدا لفصلها النهائي عن نصابها الديني او الوطني العام، وعلى الطريق تصبح نداءات وإغراءات الغلو مفتوحة على مصاريعها كلها ومن دون ضبط.. وتتسع مساحة المقدس، بحيث لا يأمن اي منا، صلى وصام، او قصر في عبادته او لم يقصر في إيمانه، ان يجد نفسه بين لحظة واخرى، بين سؤال وآخر، بين اعتراض وآخر، خارج المقدس، اي كافرا مكفّرا، يُقطع رزقه إن لم يمكن قطع رقبته. وبكلمة اعتراض نابعة من وجدان صحيح على طريقة إحياء عاشوراء، التي حيينا عليها زمنا طويلا من دون توتر ومن دون تجريد اهل البيت والحسين (ع) من عمومياتهم الاسلامية والانسانية شأن طلال سلمان وعباس بيضون ونايف كريم وغيرهم بكلمة واحدة يستحق فلان، كما فعلوها مع السيد محسن الأمين، وفلان وفلان، الاخراج من ذاتهم، من حسينهم من كثافة وجدانهم الكربلائي، الذي يكمن وراء اخطاء رائعة اقترفوها، عندما أحبوا غيفارا وكاميليوتوريس، ومعه كثير ممن يختلفون معهم نظريا، ولكن كونهم مع الفقراء والمهمَّشين جمعهم اليهم، لأنهم سمعوا عاشوراء بالمعنى لا المبنى وحده، وقرأوا نهج البلاغة، فأعلنوا انحيازهم للإنسان والحرية.. والأنكى من ذلك، والأكثر نكأً للجرح التاريخي الذي يطل على المستقبل في العراق الآن، بعد ان ذهب عميقا في فلسطين، هو ان البعض يختتم فرصة التقوقع على الحسين وقوقعة الحسين، ليتقوقع بعيدا عن ذاته في الحسين.. لا اريد ان اتصل في مخاوفي وأوجاعي، ولكني أغتنم فرصة عاشوراء كل سنة لأمارس توحيدي وإيماني من خلال التواصل والاتصال مع الآخر الشيعي او السني او المسيحي او.. او.. ما عدا الصهيوني، إيمانا مني بأن في هذه الحال اصبح حسينيا حقيقيا... اعمل في المساحة التي جرى فيها دم الحسين وكلامه، أتقدس به من دون ان يكون لدي وهم بأن في امكاني ان أقدسه، اي اضيف الى قداسته من عندي، فردا وجماعة ودينا وطائفm ومذهبا لا بالمعنى العصبي، لا بمعنى الانتماء المشروع والمحروس بالحرية. ايها الحزانى انتبهوا، لئلا يذهب بكم اهل المشاريع الخاصة بعيدا عن الحسين في عاشوراء.. انتبهوا فمائدة الحزن المملّح بالفرح العظيم مشاع انساني عظيم والحسين (ع) وأهل البيت (ع) مقيمون فيه مع غيرهم متميزون عن غيرهم برضى وقبول وإقرار وحبور من كل الشهداء والعظماء والمبدعين في التاريخ. وهل من حق احد ان يصادر الحسين من تكوين ادونيس ووجدانه ووعيه ومعرفته او غيره لا لشيء إلا لأنه يأتي الحسين من حساسية مختلفة جزئيا؟ أود في الختام ان اقدم شاهدا على جدل الخصوصية والعمومية في شهادة الامام الحسين. والذي يكتمل وينمو على اساس العبور الهادئ من الخاص الى العام، اي بتحقيق شرط الانتماء الى الجماعة انتماء مفتوحا من دون انحباس فيها، والانفتاح منها على آفاقها الانسانية. من هنا يرحل ادونيس في مناخ الحزن الحسيني ليدخل منه الى كونية انسانية تعزف حزنا وتغني فرحا او تعزف فرحا وتغني حزنا.. ليزدهر الفن بالحياة والحياة بالفن والتاريخ بالحاضر والحاضر بالمستقبل والذات بالآخر والآخر بالذات. يقول أدونيس: )في مرآة الشاهد): وحينما استقرت الرماح في حُشاشة الحسين، وازيَّنت بجسد الحسين، وداست الخيول كل نقطة، في جسد الحسين، واستلبت وقسمت ملابس الحسين، رأيتُ كل حجر يحنو على الحسين، رأيت كل زهرة تنام عند كتف الحسين، رأيت كل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram