وانا منشغل مثل باقي العراقيين بمتابعة اخبار الرمادي، تذكرت تعليقا لباحث انكليزي ادلى به قبل بضعة اسابيع وهو يتحدث عن المهمة العسيرة لرئيس الحكومة حيدر العبادي. فهو يقول ان على الرجل ان يصبح مثل دوايت ايزنهاور، الرئيس الاميركي المعروف والجنرال الذي قاد جيوش الحلفاء ضد هتلر في قاطع عمليات اوربا.
كان ايزنهاور يقود اكثر من ١٥ جيشا تتكلم ٨ لغات، وفصائل تحررية فرنسية والمانية وبولندية..الخ، وظل النجاح في هذه المهمة يتطلب مهارة فريدة في التحكم بتناقضات هذا الخليط العسكري غير المتجانس، ضد الجيش النازي الاكبر في التاريخ.
وقد لاحظ الباحث الانكليزي ان انهيار جيش العراق في حزيران العام الماضي، ادى الى ظهور جيوش بديلة صغيرة وكثيرة ومتناقضة سياسيا وميدانيا، وبات من الواضح ان كسب المعركة ضد داعش لن يتم الا بمناورة ايزنهاورية، تتولى توحيد هذه الجيوش المتناثرة والمتناقضة، بالحد الادنى من معاني الوحدة والتنسيق والانسجام. وبالفعل فان داعش تستغل هذا الانقسام وتتقدم علينا في احيان كثيرة، مستفيدة من غياب "الدور الايزنهاوري". ودونما شك فان القائد الاميركي لم يكن يجترح معجزة فردية او بطولة شخصية، بل اتيح له النجاح لان خصوم هتلر استطاعوا توليد تصور سياسي موحد عن الخطر الذي مثلته النازية. وحين توحد التصور السياسي، بات من الممكن للقيادات المتنوعة ان تنسجم الى درجة تتيح النصر. اما في الحالة العراقية فان الف ايزنهاور لن يتمكنوا من تحقيق التقدم المطلوب، الا اذا نجحنا في انتاج رؤية سياسية تتفق على معنى داعش كتنظيم عنفي اختلط بانفعال اجتماعي غاضب ويائس ومستوى من التلذذ بالجريمة مهول ومتفاقم، وايضا الاتفاق على مرحلة ما بعد داعش وما تعنيه سياسيا وأمنيا واداريا.
وحتى الان فاننا لم نبلغ الحد الادنى من الاجابة على الاسئلة الكبيرة لهذا المنعطف المهول، بل يبدو اننا نتهرب منها في احيان كثيرة، بينما تواجهها داعش بصلافة نادرة.
وقد اتيح لي ان ألتقي هذه الايام عددا من الساسة الذين اكن لهم تقديرا. واستمعت الى وجهات نظر مسؤولة. واخرى تبعث على التفاؤل. لكن تفسيرهم لجمود الحوار الوطني وتلكؤ تنفيذ الاتفاقات المبرمة منذ الخريف، يشبه انسداد حركة السير التي يلاحظها الناس كل ظهيرة في زقاق خلف سينما اطلس ببغداد، حيث تزدحم سيارات تاكسي محملة بمواد خشبية وجبسية واشياء اخرى تعود لمحلات الديكور المنتشرة هناك، والتي لا ديكور فيها اساسا، ونتيجة لعناد اثنين من سائقي المركبات، تنغلق كل المسارات في زقاق طويل يبدأ قرب ساحة التحرير ولا ينتهي الا خلف سينما اطلس. وبسبب جنون وعناد بضعة اشخاص في مستوى القيادة السياسية، يجري تخريب الكثير من المبادرات الطيبة، وينغلق المسار وتتعقد المسالك، فتنفتح الابواب للمزيد من التدخل الخارجي الذي ينقلنا الى دوامة اكثر تعقيدا، وقد يصل بنا الى لحظة عجز وطني عن اتخاذ القرارات المهمة، وفقدان القدرة على تحديد خيارات الحرب والسلم، وارجو اننا لم نبلغ هذه المرحلة فعليا.
اما اجمل المقولات المنسوبة لصاحبنا ايزنهاور، فتنص على ما يلي: اذا لم تستطع حل مشكلة فقم بتضخيمها!
ويبدو لي احيانا ان العراق مشكلة عجز العالم عن حلها طوال عقود، فقام بتضخيمها. اما ادوات تضخيم المشكلة العراقية فهي نحن العراقيون انفسنا.
ايزنهاور العراقي
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2015: 09:01 م