TOP

جريدة المدى > عام > ثقافة التواصل الاجتماعي.. الثقافة المضادة!

ثقافة التواصل الاجتماعي.. الثقافة المضادة!

نشر في: 18 مايو, 2015: 12:01 ص

لكل اختراع واسع الانتشار أو صرعة جديدة في عصرنا هذا جانبان : إيجابي و سلبي. فقد أدت ثورة التحول إلى استخدام المادة البلاستيكية على نطاقٍ واسع بدلاُ من المعادن في مجالات الأواني و الاستخدامات المنزلية المختلفة، و الأجهزة الكهربائية و المائية و الطبية،

لكل اختراع واسع الانتشار أو صرعة جديدة في عصرنا هذا جانبان : إيجابي و سلبي. فقد أدت ثورة التحول إلى استخدام المادة البلاستيكية على نطاقٍ واسع بدلاُ من المعادن في مجالات الأواني و الاستخدامات المنزلية المختلفة، و الأجهزة الكهربائية و المائية و الطبية، و حتى تجهيزات المباني العامة و غيرها، على سبيل المثال، إلى وفرة في هذه المنتجات، و رخص في ثمنها، و خفة في وزنها. لكن على حساب المتانة، و السلامة الصحية، و سلامة البيئة و غيرها من الأمور.
و كان للتطور و الانتشار في مواد التجميل و عملياته الجراحية أو التقويمية مردوده الإيجابي الواضح على الصعيد النسائي بحيث لم تعد هناك من امرأة " غير جميلة " في الظاهر إلا مَن ليس بوسعها توفير التكاليف اللازمة، أو مَن ليست لديها رغبة في تغيير ما خلقه الله! لكن السلبي في الأمر هنا ازدياد الأمراض أو التشوهات اللاحقة الناجمة عن المواد المستخدمة في التجميل و التأثيرات الجانبية لعمليات التلفيق الضار بطبيعة الجسم البشري، و تضاؤل التميّز في الشكل الخارجي بحيث أصبحت وجوه النساء في الغالب أقنعة متشابهة الملامح تقريباً، إضافةً لتراجع الاهتمام الثقافي و الفكري لدى المرأة بوجهٍ عام و تحولها، في الغالب، إما إلى مجرد " أم عيال "، أو إلى واجهة لافتة للأنظار وفقاً لدرجة المهارة في تجميلها الخارجي!
أما فيما يتعلق بموضوعنا الأساسي هنا، و هو التواصل الاجتماعي، فلا شك في أن للأنترنت دوراً غير مسبوق من ناحية حرية الرأي، و التقريب بين الناس في كل بلد من البلدان و على صعيد العالم، و التسلية اليومية، و تبادل المعلومات و الأخبار و التعليق عليها، و ما يترتب على ذلك من علاقات، و صداقات، و أحلام وردية. لكن على حساب الترابط الاجتماعي، و الثوابت الأخلاقية المتوارثة، و العمق الثقافي الحقيقي للفرد، بل و على صحته، و سلامته الشخصية أيضاً.
و هذا ليس موضوعنا الأساسي هنا، مرة أخرى. فالمسألة أعمق من ذلك و أخطر، إذا عرفنا الهدف من تسهيل هذا " التواصل الاجتماعي " على الصعيد العالمي عبر الفيسبوك و غيره، و الجهة التي تراقب هذا التواصل، و توجهه أيضاً، للاستفادة منه في مخططاتها لمواصلة الهيمنة على العالم و تعميقها.
تقول صحيفة Gaurdian Theاللندنية في عددها يوم 15 آذار 2012 ، مثلاً، إن هناك خطة استخباراتية أميركية تسمى " الدمية "، تسمح للمخابرات بالتجسس على المواقع الاجتماعية التي يرتادها الشباب العرب والمسلمون بكثرة خصوصاً فيسبوك و تويتر على الإنترنت، والتلاعب بهذه المواقع عن طريق استخدام عملاء المخابرات الأمريكية لأسماء شخصيات وهمية للتأثير على المحادثات الإلكترونية، ونشر الدعاية المؤيدة للولايات المتحدة، ومحاربة التيارات الإسلامية " الجهادية " كما تسميها المخابرات.
و بينما ينشغل ملايين الأشخاص في منطقتنا العربية و غيرها بكل حماس و تلقائية و استمتاع بـالتنفيس عما في نفوسهم من كبت، و ما في عقولهم من أفكار و أسرار و رؤى، تراقب الاستخبارات الأميركية، وفقاً لموقع " CNN "، أكثر من 5 ملايين تدوينة قصيرة يومياً على موقع التواصل الاجتماعي " تويتر " في جميع الدول، ومن بين أكبر الدول المراقَبة هي مصر، حيث يوجد مركز خاص يقوم بأعمال المراقبة اليومية وعمل تقرير يومي بالتفاصيل وعرضها على الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
و على هؤلاء المتواصلين أن يعرفوا بالتالي أهمية " ثرثراتهم " العفوية بالنسبة للمخابرات العالمية، و هم يتشاتمون، و يتصالحون، و يتبادلون الآراء، و " الأسرار "، و البذاءات أحياناً، فرحين بما توفره لهم الولايات المتحدة الأميركية و الغرب عموماً من تسهيلات، و ألعاب، و إغراءات لجر رجلهم إلى مستنقع التواصل إيّاه، مقابل ما تحققه هي من نتائج أو أهداف ليس استخبارية فقط، بل و ثقافية، و سايكولوجية، و اجتماعية، أيضاً، لقطْعنة الشعوب، و تسييرها وفق ما تريد، و منها :
• ضعف الاهتمام الجاد لدى زوّار مواقع التواصل الاجتماعي بأمور بلدانهم الحيوية و تغييب الشعور الوطني لديهم، بالتالي.
• التشجيع على هذا الأسلوب في انتقاد السلبيات في بلدانهم و في الوضع الدولي أيضاً بدلاً من النضال الحقيقي لمعالجتها عن طريق التظاهر، و الإضراب، و غيرهما من وسائل الاحتجاج الفعلي الأكثر تأثيراً.
• هبوط مستواهم الثقافي من خلال إلهائهم عن مطالعة الكتب و الصحف و المجلات سواء الورقية منها و الألكترونية، و غير ذلك من وسائل الثقافة النافعة.
• نزول لغة التخاطب بينهم إلى مستويات متدنية من الابتذال، و السوقية، و التفاهة بدعوى الجرأة، و الألفة، و الخروج عن المألوف " البالي " من قواعد الحوارالمهذَّب.
• انحطاط المعايير الأخلاقية لديهم بفعل اختلاط المفاهيم المتضاربة و غير السليمة و الاختلاف الواسع في ثقافاتهم و جنسياتهم و مراحلهم العمرية.
• زيادة الأحقاد، أو خلقها، بين المتحاورين من مذاهب و أجناس و أديان مختلفة.
• تفكيك الترابط الأسري و العلاقات الاجتماعية، و منها ازدياد حالات الخيانة الزوجية و الطلاق، كما جاء في تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية بعنوان " الإنترنت أعطت للخيانة أجنحة جديدة ".
• إسقاط بعض المدمنين على " التواصل الاجتماعي " في شرَك المخابرات الدولية، و المنظمات الإرهابية، و النصّابين ، و شبكات التجسس، و عصابات الدعارة أو التجارة بالبشر.
• مسخ شخصية الفرد بفعل ابتعاده عن التفاعل المباشر مع غيره من أفراد مجتمعه و معايشة تجارب الحياة اليومية في أماكنها المختلفة و ما يتطلبه ذلك من استجابات أو ردود فعل و مواقف تؤدي في نهاية الأمر إلى صقل الشخصية الفردية و تميّزها بخصائص متنوعة من فرد إلى آخر.
و تخطر في بالي هنا قصة قصيرة للكاتب الأكوادوري مارثيلو كادينا يعبّر فيها عن حالة الانمساخ و الغياب عن الواقع التي تصيب المدمنين على التواصل الاجتماعي أو شبكة الأنترنت، و عنوانها " ستيف ابن الشبكة "، سبق أن ترجمتها و نشرتها في هذه الصحيفة قبل سنوات. إذ يدخل راوي القصة في مقهى أنترنت فلا ينتبه له أحدٌ من الجالسين أمام كومبيوتراتهم أو يريد مبادلته الحديث، و بوجهٍ خاص رجل صغير منهم يقول له إنه ستيف و إنه لا يمكن أن يتحدث معه لأنه مشغول. فيحس الراوي بالوحدة. فقد كان يرى أجسامهم، لكنه لم يكن قادراً على الشعور بأرواحهم، كما يقول، " لأن أرواحهم لم تكن عائدة لهم؛ كانت تعود بدلاً منهم للشبكة ". فيقرر مغادرة المقهى. و يقول، " في تلك اللحظة، أدركتُ أن الأشخاص في ذلك المكان كانوا يتناولون فنجان قهوة و يتبادلون حديثاً لطيفاً مع آلاتهم، لا مع أشخاص, كانوا جميعاً أكثر اهتماماً بإقامة علاقة مع الكومبيتر، و بوجهٍ خاص ستيف. و لا أود أن أتصوّر مستقبل البشر إذا ما فضّلوا أن يشاطروا آلاتٍ حيواتهم الخاصة و ليس أشخاصاً مثلهم "!
و أخيراً، و كما هو واضح تماًماً، فإننا أمام مشكلة ذات عواقب خطيرة بالنسبة لمجتمعات البلدان المصابة بهذه الآفة اليوم. و مما يرسّخ هذه المشكلة و يفاقمها أن الذي بيده معالجتها هو المستفيد منها، و أعني بذلك القوة العظمى المتحكمة بالأنترنت عموماً، و الأنظمة الفاسدة الحاكمة في هذه البلدان، التي من مصلحتها انشغال مواطنيها عنها بهذا الشكل، و هؤلاء المواطنون أنفسهم السعداء بهذا الانشغال العقيم و بالمعارك الدونكيشوتية التي يخوضونها في مواقع التواصل الاجتماعي، بعيداً عن مواقع التناحر الفعلي خارج عالمهم الكومبيوتري المثير، و ربما الاثنان معاً في بعض الأحيان!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram