من طفولة قضتها في مصر الى شبابها في ميلانو ثم استقرارها في باريس ، كانت رحلة الناشرة المعروفة تيريزا كريميسي التي ضمنتها في روايتها الأولى والكبيرة ( المنتصرة ) والتي صدرت بعد بضعة ايام من مغادرتها منشورات فلاماريون ..انها قصة فتاة وحيدة لفيتوريوالاي
من طفولة قضتها في مصر الى شبابها في ميلانو ثم استقرارها في باريس ، كانت رحلة الناشرة المعروفة تيريزا كريميسي التي ضمنتها في روايتها الأولى والكبيرة ( المنتصرة ) والتي صدرت بعد بضعة ايام من مغادرتها منشورات فلاماريون ..انها قصة فتاة وحيدة لفيتوريوالايطالي الذي يدير شركة للاستيراد والتصدير وغابي النحاتة الاسبانية ، الانغلو هندية..
ولدت تيريزا في عام 1945 في مدينة الاسكندرية في مصر ، وقد جعلت من روايتها ملحمة حميمية لأمراة شابة واجهت النفي والتحديات والمجازفات بجدية ونكران ذات حقيقيين وعبرت عن ثورة كامنة في اعماقها فكانت محاولة مذهلة من روائية مبتدئة وناشرة كبيرة ...ودون شك ، فالرواية تحمل ملامح السيرة الذاتية ذلك ان بطلتها تخترق حجب العالم بمهنة الصحافة وليس النشر متجاهلة كل انواع التواريخ وتفاصيل الأحداث التي تمر بها ..انها تيريزا بوجه آخر ..
فيما يخص الجوهر ، بدا محيط الكاتبة وحالتها النفسية فضلا عن بيئتها في بلدها الأم عناصرا لاتخلو من المغامرة والطرافة ،كما انها عاشت اياما سعيدة في الاسكندرية –أي في قلب الحضارة وحيث يمتزج عبق الماضي بصخب الحداثة في كنف عائلة متكونة من والدها اللطيف والمتواضع ووالدتها الفنانة الرقيقة وغريبة الأطواروالتي كانت تجوب اوروبا كل عام وتستقر خصوصا في فرنسا وسويسرا لتمارس لغتها الفرنسية الراقية ..
في مايخص تيريزا ، فقد تابعت دراستها في مصر في مدرسة داخلية فرنسية كاثوليكية وغادرت الاسكندرية مع عائلتها بعد حدوث ازمة قناة السويس في عام 1956 ليستقروا في ميلانو ..وهناك التحقت بثانوية ميرسلين ثم حصلت على دبلوم في اللغة والآداب الاجنبية من جامعة بوكوني ، وبعد التخرج من الجامعة عملت في جمع القواميس في منشورات كازرانتي في ميلانو مابين عامي 1963 و1966 ..
اعترفت تيريزا في روايتها بميلها الى مصر والى رغبتها بالبقاء فيها اذ استمدت منها معرفة غنية وثقافة متفردة لكن تاميم قناة السويس كان كجرس انذار بالنسبة لعائلتها فقرروا المغادرة الى ايطاليا ، وهناك ، عاش والدها وحدة فظيعة بعد ان غادر عمله وحياته المرفهة وكذا الحال بالنسبة لوالدتها التي حافظت على حس الدعابة لديها على الأقل ورغم ذلك فقد كتبت وصية لزوجها تقول فيها :" عزيزي ..اتمنى ان تقوم باحراق جثتي بعد وفاتي " ..لقد استسلم والديها لشعورهم بالعجز والوحدة في الوقت الذي شعرت فيه تيريزا بأنها يجب ان تنتفض على نفسها وأن تجتاز خط الظل الذي رسمه لها القدر بالعبور الى النور والحياة الحقيقية ..كانت تيريزا قوية وقادرة على تحمل مسؤولية افعالها لذا اغلقت الباب على ماضيها وتجاهلت مواهبها واحلامها العظيمة وانخرطت في عالم العمل الصحفي وسرعان مااحرزت تقدما وتمكنت من ادارة مطبعة ..وقتها شعرت بالانتصار على نفسها وظروفها فصارت تمضي قدما في مجال الطبع والنشر الذي تميزت فيه بقوة ..ففي عام 1972 ، اوكلت اليها ادارة مطبعة وشغلت منصب مديرة انتاج ، ومابين عامي ( 1985-1989) عملت كشريكة في دار نشر وكانت تواصل النشر في الصحف والمجلات المعروفة في الوقت ذاته ..
بعدها ، انتقلت الى باريس لتعمل في وظيفة لم تتوقعها حين استدعتها دار غاليمار الشهيرة للنشر لتعمل كمديرة فيها ، كما انغمست في الحياة الادبية في باريس وحازت ادارتها للدارعلى اعجاب الادباء والنقاد ، وحازت دار غاليمار بفضل ادراتها على جائزة غونكور في عامي 2000 و2001 ، ثم جائزة ميديسي عام 2001 و2004 عبر روايتي (الرحيل الى فرنسا ) لبينوا دوتورتر و(ملكة الصمت ) لماري نيمييه ...
اهتمت تيريزا بالاصدارات الكبيرة والكتاب الكبار وشاركت في حفلات توقيع الكتب الجديدة وتنظيم العقود مع الكتاب من مختلف انحاء العالم ، كما كانت وراء تطور دار غاليمار للنشر بحصولها على عرض اطلاق سلسلة هاري بوتر الشهيرة..
في عام 2005 ،اطلقت تيريزا مفاجأة بانتقالها الى دار فلاماريون للنشر اثرانتشار شائعات عن التسلط المتزايد لمدير الدار انطوان غاليمار..وتمكنت ايضا من اختطاف جائزة غونكور لدار فلاماريون عام 2010 بفضل ادارتها لها ..وبعد ان واجهت دار فلاماريون مشاكل أدت الى بيعها ، ارسل مديرها السابق غاليمار في طلبها عام 2013 وعادت لتعمل من جديد في دار نشر غاليمار بعد ان منحها مديرها مسؤولية مديرعام وحملها مسؤولية تطويردار النشر
مؤخرا ، قررت تيريزا كريميسي تحويل ملابسات حياتها الى رواية تحمل عنوان ( المنتصرة ) وقامت بنشرها في دار نشر اكواتور في 208 صفحات لتروي فيها رحلة فتاة صغيرة غادرت مدينة الاسكندرية الى اوروبا وشعورها بانها حلقت في سماء التاريخ ثم حطت رحالها في عالم الأدب ونالت تربيتها الأدبية من بطون التحف التاريخية والأدبية مثل ( الالياذة ) و(أعمدة الحكمة السبعة ) و( انطونيو وكليوباترا).